وقد بين الغزالي كيف توغر الخصومة الصدر، وتهيج الغضب حتى ينسى المتنازع فيه، ويبقى الحقد بين المتخاصمين: فيفرح كل واحد بمساءة صاحبه، ويحزن بمسرته، ويطلق اللسان في عرضه. فمن بدأ بالخصومة فقد تعرض لهذه المحذورات.
التقعر في الكلام
الآفة السادسة هي التقعر في الكلام بالتشدق، وتكلف السجع والفصاحة، والتصنع فيها بالتشبيهات والمقدمات، وما جرت به عادة المتفاصحين.
والغزالي يفرق بين من يلقي خطبة، وبين من يتكلم كلاما عاديا، ولا حرج على الخطيب فيما يرى الغزالي أن يلجأ إلى المحسنات اللفظية، في غير إفراط أو إغراب، فإن المقصود من الخطبة تحريك القلوب، وتشويقها، وقبضها، وبسطها، ولرشاقة اللفظ في ذلك كله تأثير.
أما المحاورات التي تجري لقضاء الحاجات، فالغزالي ينكر أن يكون فيها أي مظهر من مظاهر التكلف كالسجع أو غيره «بل ينبغي أن يقتصر المرء في كل شيء على مقصوده، ومقصود الكلام التفهيم للغرض، وما وراء ذلك تصنع مذموم».
والآفة الخلقية للتصنع فيما يرى الغزالي ترجع إلى الباعث عليه: وهو الرياء، وحب الظهور بالفصاحة، والتميز بالبراعة.
الفحش
والآفة السابعة هي الفحش، وهو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة. وهذه العبارات متفاوتة في الفحش، وبعضها أفحش من بعض، وربما اختلف ذلك بعادة البلاد. وقد ذكر الغزالي من ذلك ما يجري في ألفاظ الوقاع وما يتعلق به، والعيوب التي يستحيا منها كالبرص والقراع والبواسير، ثم حض على استعمال الكتابة في مثل تلك المواطن.
والباعث على الفحش فيما يرى: إما قصد الإيذاء، وإما الاعتياد الحاصل من مخالطة الفساق، وأهل الخبث واللؤم.
وقد عد الغزالي الفحش والسب والبذاء آفة واحدة، وأضاف إليها «البيان» الوارد في حديث (البذاء والبيان شعبتان من شعب النفاق) وفسر هذا البيان بكشف ما لا يجوز كشفه، أو المبالغة في الإيضاح حتى ينتهي إلى حد التكلف. أو البيان في أمور الدين، وفي صفات الله أمام العوام، إذ قد يثور من غاية البيان فيها شكوك ووسواس.
Неизвестная страница