إن الكتاب، يا حبيب القلب، لا يطرح نفسه عليك، ولكنه دائما في انتظارك، ينتظر منك غمزة ليجيبك: «عبدك بين يديك» كما كانت تقول المرحومة ستك في حكاية خاتم لبيك.
وبعد يا عزيزي، فالكتاب هو الذي صنع العظماء وخلق العبقريين. أليست الدنيا كلها هي كتاب الله الأعظم؟ وقد قالوا: لكل أجل كتاب، ولكل إنسان كتاب يحمله بيمناه حين يقف بين يدي ربه؟. فتمرن أنت منذ اليوم لتحمله جيدا، وتكون من العارفين. فالكتب هي سجلات المعرفة الماثلة دائما بين يديك متى شئت، أما السينما التي لا تخلف مواعيدها، فهي معرفة أيضا، ولكنها معرفة عابرة، ضائعة بعد حين، كما قال الشاعر:
كل علم خارج القرطاس ضاع
كل سر جاوز الاثنين شاع
والكتاب محك الأذهان والألباب، وعلى ضوء مطالعته تتفتق مواهبك المختبئة وراء ستر كثيف.
لا أظن أنك نسيت حديثي آخر مرة، وفيه قلت لك: المدرسة تعلمك القراءة، والجامعة تدلك على الدروب، ولكن المدرسة لا تقرأ عنك. ومتى علمت أن نوابغنا ونوابغ الدنيا جمعاء لم يتعلموا في مدارس اليوم، ومع ذلك حققوا قول أحد العظماء: «إنني أخاف صاحب الكتاب الواحد.» فاقرأ إذن يوميا، واقرأ بإمعان، لا لتتسلى فقط.
إذا كانت أجسادنا تحتاج إلى بعض حبوب الفيتامين، أفلا نحتاج يوميا إلى القراءة لنداوي ما في عقولنا من فقر دم؟
وإذا سألتني قانونا للقراءة، قلت لك ما قاله برناردشو: «القانون الذهبي في هذه الحال هو أنه لا قانون هناك.» قس القراءة على الأكل. أما قال أبوك وجدك: «كل ما تشتهي نفسك؟» فكل غذاء لا تشتهيه النفس، لا يستطيبه الآكل، ويكون كالدخيل على الجسم. فاقرأ إذن ما تحب. كن واثقا بنفسك، واعلم أنك ستكون رجلا إذا طالعت. ومن يدري أنك لا تصير من أصحاب الكتب التي تقرأ وتنير إذا اجتهدت؟
يسرني أن أشجعك، ولهذا أقول لك: إن الكتب العظيمة تطبع في المدن والعواصم الكبيرة، ولكنها كتبت وتكتب في القرى، أو في الأحياء الحقيرة.
إذن فثابر واجتهد لتكون واحدا من هؤلاء الكتاب الأفذاذ، وهذا لا يكون إلا إذا قرأت كل يوم بانتظام. فقراءة ساعة كل يوم تمكن كل ذي مقدرة عقلية عادية من أن يصير متضلعا من علم ما، وتمكن من هو غير متعلم أن يصير مثقفا عارفا في غضون بضع سنوات.
Неизвестная страница