أما الأعياد، وهي الغنية بالذكريات، فإنها تخمة للسعداء، وحسرة للأشقياء، وضربة على البخلاء ...
كنا صغارا وكانت أعيادنا على قدنا، ولما كبرت آمالنا وأمانينا، فصارت أعيادنا حسرات.
كنا ننتظر العيد في شبابنا، أما اليوم فصرنا نعد العشرة ونقول: ترى هل نعيش إلى العيد القادم؟
أما الفقير فعيده مأتم، ومع ذلك يساهم فيه قدر المستطاع.
المعسور والميسور كلاهما يتباريان في حلبة العيد، وما قتل الناس غير التشبه والمنافسة، ولولا أنفق الأغنياء كماليات الأعياد على عمل البر والإحسان لما شعر الفقير أن غنى البخيل جريمة كبرى.
ندعو بعضنا بعضا إلى ولائم كلها تخمة لنا، أما الفقير فله الله. ومن يعلم مشيئة علام الغيوب؟ فما أجمل أن ندعو الفقراء إلى مأدبة من مآدبنا السخية ونواكلهم على المائدة. ألا نكون، إذا فعلنا، قد عملنا بدعوة جديدة وأسلوبا طريفا من أساليب الحياة؟
وإذا كان هذا الاقتراح لا يعجب السراة، فليعدوا في الأعياد مأدبتين؛ واحدة للعراة الذين ما عليهم من الخام ريحة، وواحدة للسراة المموهين بالذهب.
ولكن ممن نطلب؟ فالكرماء المستورون غير قادرين، والبخلاء يوم العيد عندهم مناحة.
قلت فيما سبق: العيد ضربة على البخلاء. وقلت اليوم: العيد مناحة صامتة. والسبب هو أن البخيل لا يقوى قلبه على مفارقة رفقاء العمر من ماله، تلك القروش التي ألقاها في حبس الدم، فشابت وهرمت في صندوقه.
جميع الناس يفرحون في الأعياد، وينتظرون مقدمها، إلا البخيل، فإن دقات قلبه تزداد رويدا رويدا كلما اقتربت ليلة العيد. فهو يتلوع سلفا لفراق حبيبه القرش الأسود، ولا كان اليوم الأبيض.
Неизвестная страница