46

Конец света

آخر الدنيا

Жанры

وانقضت أيام قليلة، ربما يومان ربما ثلاثة، قبل أن أصحو ذات ليلة على طلقة مكتومة صكت الحائط المجاور لفراشي. انتبهت من نومي تماما، وأصخت السمع هنيهة، وإذا بطلقة واضحة ثانية تأتي على هيئة حصاة صغيرة، تأكدت أنها قد قذفت عن عمد لتصيب نافذتي دون سواها وتناديني. وتساءلت: من تراه يكون؟ فالغريب لا يعرف بيتنا على وجه التحديد، وحتى إن عرفه فكيف يعرف حجرتي، والنافذة التي أنام بجوارها. اعتدلت برأس أفرغه الاضطراب الشديد من كل محتوياته، فغدا كالصندوق الفاضي الذي يرن لأقل حركة أو خاطر. وفتحت النافذة باحتراس، ومن شبه الظلام المخيم خارج البيت، سمعت كلمة آمرة هامسة واحدة: انزل.

ثم أعقبتها أخرى: وهات الطلياني.

كلمات لمع في الظلام فحيحها كنصل صولي حاد ثم اختفى. وكاد كل شيء في الخارج يعود إلى السكون المظلم الذي كانه، لولا أني لمحت أكثر البقعات سكونا وظلاما تتحرك وتتشكل على هيئة شبح، ثم تمشي آخذة طريقها إلى الغيطان.

والواقع ، طغت فرحتي على كل شيء؛ على اضطرابي وإشفاقي أن يكون ما حدث قد أيقظ أحدا من أهل بيتنا، خاصة أبي ذلك الذي يستيقظ لأقل همسة. وكانت الفرحة لا تزال تعصف بي وأنا أتحسس طريقي إلى العشة الكائنة أسفل برج الحمام، حيث أخفيت المدفع الإيطالي الصغير الذي أعطانيه الغريب. كنت خلال الأيام القليلة التي انقطعت فيها صلتي بالغريب، قد بدأت أعود إلى حياتي التافهة الخالية من الأسرار والليل والأحداث، وما أعظم ما بدا الفارق! ... وما أكثر ما جبت الأذرة؛ لعل الخيط يعود مرة أخرى ويصلني به! وها هو ذا قد عاد بنفسه، وبصورة ألهبت خيالي.

طغت فرحتي على كل شيء، وفي غمضة عين، كنت أقف أمامه حيث تعودنا أن نلتقي، ألهث وأحدثه عن البطيخة، وأناوله المدفع، وأضع الظروف أمامه في الخزانة الفارغة كما علمني ... وحين سيطرت على انفعالاتي وبدأت أنظر إليه، أدركت مشدوها أني أمام غريب آخر، أمام إنسان قد انعدمت كلماته ولم نفسه، وتجمعت شخصيته في بذرة إرادية واحدة، وكان في سحنته شيء لم أره من قبل ... حماس ربما جنون، روح جديدة تلبسته، شيء أسكت ثرثرتي مرة واحدة، فأرغمني على أن آخذ دور الجندي الذي ينتظر أوامر قائده، ويدرك أنها أوامر خطيرة بالتأكيد لها ما بعدها.

وبالفعل صح ما توقعته، فقد وجدته بلهجة حامية سريعة وخطيرة: تروح ولا تيجي معايا؟

قلت بسرعة: آجي معاك ... بس على فين؟ - ما تسألش ... يمكن نقتل ... يمكن ننقتل ... تيجي معايا؟

قال هذا، ودون أن ينتظر إجابتي فرق بيديه عيدان الأذرة، ونفذ بجسده القصير بينها.

وكنت بعد ثانية تردد أتبعه.

11

Неизвестная страница