16

Конец света

آخر الدنيا

Жанры

خرجت الكلمة كالرصاصة من فم الرجل، أعقبها بسرب دافق من القذائف. - رأيك ده تلفه في ورقة، وتبلعه على ريق النوم. رأيك ده تقوله لصاحبك وانتو ع القهوة. رأيك هناك عند بابا وماما، إنما هنا مفيش رأيك. هنا شركة ليها أوامر وقوانين. هنا تمشي تروح تكتب الألف ورجلك فوق رقبتك، ولولا عارف إنك طيب كنت بهدلتك صحيح ... اتفضل يا حضرة.

وانتاب أحمد غضب، وقال: أنا أحتج يا سيد عبد اللطيف على الإهانات دي. - إنت مش تحتج، وديني لاخصم لك يوم كمان ... اتفضل روح اكتبها.

وهكذا وجد أحمد نفسه في قلب المعركة ... معركة للدفاع عن كرامته كإنسان ... لم يكن يعتقد أن الأمر ممكن أن يتطور إلى هذا الحد، وطبعا كان واثقا أن مسألة الخصم هذه تهديد ليس إلا، والمشكلة ممكن أن تحل بإضافة ألف إلى الأحرار واعتذار لبق، وينتهي كل شيء. ولكن كان أسهل عليه أن يقطعوا رقبته قبل أن يفعل شيئا كهذا؛ فأهم شيء في نظره كان هو الثبات، فالمسألة لم تعد «أحرارا» بألف أو بغير ألف. المسألة كرامته وشرفه، فلم يكن يعتقد أنه سيهان على تلك الصورة، ويعامل كما لو كان آلة كاتبة لا تحس ولا تغضب.

كل هذا وصوت الريس يعلو أكثر وأكثر، وعناد أحمد يزداد ... الريس يقسم أنه لن يتركه إلا إذا كتبها ورجله فوق رقبته، وأحمد يقسم أنه لن يكتبها ولو خرج له أبوه من التربة وأمره بكتابتها. والصراع قد وصل قمته، والمسألة التي بدأها أحمد وهو غير مؤمن تماما بها. كانت قد تبلورت إلى درجة أنه لو قبل إضافة ألف للأحرار؛ فمعنى هذا أنه تنازل طائعا مختارا عن كرامته ورجولته وشرفه، وإذا كان الناس في الصعيد وفي كل مكان يقتلون دفاعا عن كرامتهم ورجولتهم؛ أفلا يستطيع هو الصمود مهما كانت النتائج؟

وطبعا لم يقف الزملاء مكتوفي الأيدي ... حاولوا تهدئة الريس بلا فائدة، وحاولوا حمل أحمد على الإذعان بلا فائدة، بل كان يقابل هدهداتهم ورجواتهم باشمئزاز؛ إذ هم في نظره أكلة عيش منافقون مداهنون لا يقدرون قيمة هذه الأشياء والمواقف، يلتقطون الخبز من بين أقدام الرؤساء بعد أن يلعقوا تلك الأقدام. فليمت قتيلا، ولكنه أبدا لن يكتب ألفا للأحرار.

والعجيب أن قليلا من زملائه الموظفين والكتبة هم الذين كانوا يضحكون بينهم وبين أنفسهم على المشكلة القائمة. أما الغالبية العظمي فقد أخذت الأمر على أنه مشكلة من واجبهم حلها برجاء هذا وممالأة ذاك، أو حتى باقتراح حل وسط؛ إذ اقترح أحدهم أن يقوم هو بكتابة ألف الأحرار حسما للنزاع، وقوبل اقتراحه برفض هائل من الريس وباستنكار حاسم من أحمد رشوان.

وسرعان ما ضاق صدر الريس عبد اللطيف، فهدر في جميع من بمكتبه يأمرهم بالخروج مقسما بالله العظيم ثلاثا أن سيكون جزاؤه على تلك الفعلة هو الرفت العاجل ... اليوم بلا أي تأخير. قال هذا وهو يعتصر قبضتيه، ويصر على أسنانه، ويجهز نفسه لكتابة مذكرة مستعجلة جدا لمدير عام الشركة، يطلب فيها فصل أحمد رشوان فورا؛ إذ الجريمة في نظره أخطر جريمة ... عصيان واغتصاب، وإذا لم تعالج الأمور بحزم؛ وبتر فممكن أن تسري عدواها إلى بقية الموظفين.

أما أحمد فقد أخذه الزملاء إلى حجرتهم، وأحضروا له فنجان قهوة رفض أن يشربه، وظلوا يتحايلون عليه يحذرونه من العقاب، ويقسمون له أن المشكلة الآن حلها بسيط، وأن الريس عبد اللطيف عصبي صحيح، ولكنه ابن حلال، فأقل اعتذار يرضيه.

ولكن أحمد ظل يهز لهم رأسه باستمرار، بل كان حريصا على أن تظل الابتسامة طوال الوقت فوق ملامحه؛ حتى لا يعتقد زملاؤه أنه مهزوز، مع أنه كان مهزوزا ... كان قد صمم تصميما نهائيا خطيرا على عدم التراجع؛ فقد كان يدرك أنه لو تراجع فلن يحترم نفسه بعدها. هو الذي يعتبر أن ميزته الوحيدة أنه يحترم نفسه ... بل سر حرصه على الأدب الجم في معاملة الناس أنه يريدهم أن يعاملوه بأدب، فإذا فقد احترامه لنفسه؛ فأي قيمة تبقى له كإنسان؟

وسرى الخبر طبعا في أنحاء المكتب ... وتلقفته الأفواه ضاحكة وساخرة ومعقبة، حتى أصبح الخبر نكتة تروى، وصار الموظفون الكائنون في الأجنحة البعيدة يتسابقون إلى حجرة أحمد رشوان؛ ليتفرجوا على زميلهم العجيب الغريب الذي رفض أن يكتب ألف الأحرار، معتقدين أنه لا بد قد أصيب بلوثة. يحدقون في ملامحه ويشاهدون كيف يتكلم وبأي ردود يجيب ليعرفوا مدى إصابته ... وكانوا يعودون إلى مكاتبهم، وقد انقسموا على أنفسهم، بعضهم يؤكد أنه مجنون، وبعضهم يؤكد أنه لا بد تعبان شوية، وآخرون يصرون على أن المسألة كلها لا تعدو أنه ابتلع ليلة الأمس قطعة حشيش، لا يزال مفعولها ساريا في جسده، ويؤكدون قائلين: دا من شكله باين عليه حشاش. •••

Неизвестная страница