بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
أما بعد حمدًا لله الذي من وجه إليه سؤاله فاز، ومن التمس معونته أرشده للتمييز بين ما حرم وجاز، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، كعبة القصد، التي ليس بينها وبين النجح حجاز، وعلى آله وصحبه، حقائق الفضل ومن بعدهم مجاز.
فلما أن يسر الله تعالى على بالاشتغال بالحديث النبوي، وكرعت من هذا المنهل العذب الروي، حتى كدت أمير السقيم من الصحيح، وأحاكي القويم في التعديل والتجريح، مع الاطلاع على إيضاح الغريب، والوقوف على المعنى المصيب، والعزو للمظان فيما لعله يخلى عن كثير، إلى غير ذلك مما يعلمه أهل النقد والتحرير، وصرت أسأل عن ذلك من القاطن والسالك، فيحصل الجواب فيه على الفتح متحريًا - إن شاء الله - عما يستوجب الطعن والقدح، فلما اجتمع من مسودات ذلك جملة عندي، مما أخشى عدم الانتفاع به في الحياة، وبعدي، استخرت الله تعالى في جمع
1 / 5
الأسئلة أولًا فأولًا، وتعقبت كل سؤال بالجواب عنه مذيلا، لينتفع بذلك من سأله ممن حسن ظنه فيما أبديه وقبله، وبالله الكريم عوني، وإياه أسأل عن الخطأ صوني، إنه قريب مجيب.
1 / 6
١ - حديث: النهي عن كسر سكة المسلمين
رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي في سنتهم، وأحمد في مسنده والحاكم في صحيحه كلهم من طريق محمد بن فضاء عن أبيه عن علقمة بن عبد الله وهو: ابن عمرو بن هلال، وقيل: ابن شرحبيل المزني عن أبيه ﵁، قال: نهى رسول الله ﷺ أن تكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس.
زاد الحاكم وغيره في روايته: أن يُكسر درهما فتجعل فضة أو يُكسر
1 / 7
الدينار فتُجعل ذهبًا. وقال الحاكم: صحيح الإسناد.
قلت: وسكت عليه أبو داود فهو عنده صالح للاحتجاج وهو عجيب منهما، فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة، لأن مداره على محمد بن فضاء، وقد قال البخاري: سمعت سليمان بن حرب يضعفه ويقول: كان يبيع الشراب، قال: وقال لي سليمان بن حرب: روى ابن فضا عن أبيه حديث نهي النبي ﷺ عن كسر سكة المسلمين، قال سليمان: ولم يكن في عهد النبي ﷺ سكة إنما ضربها الحجاج بن يوسف أو نحوه. انتهى.
وروينا في جزء من حديث أبي رفاعة عمارة بن وثيمة أنه قال: يا محمد: أول من ضرب الدنانير في الإسلام: عبد الملك بن مروان، وإنما كانت الدنانير تأتي من بلد الروم ويطلق لهم القراطيس وكانت في رؤوس الطوامير (لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا لله ولا الملائكة
1 / 8
المقربون) إلى آخر الآية [النساء/ ١٧٢]، فلما نظر ملك الروم إلى الكتاب، قال: ما هذا؟ فقرئ عليه وقيل له: شتموا آلهتك التي تُعبد - يعنون عيسى - فغضب وكتب إلى عبد الملك يقول: والله لئن كتبت بعد هذا في الطوامير لأنقشن في الدنانير شتم نبيك، فاغتم عبد الملك فدخل عليه خالد بن يزيد بن معاوية، وكان ذاهبًا فأخبره، فقال له خالد: لا تغتم اجعل عندك دارًا للضرب، واضرب فيها وامنعه القراطيس، فإنه سيحتاج إليها فيأخذها على ما فيها شاء أو أبى، ففعل، فكان أول من ضربها في الإسلام عبد الملك بذلك.
1 / 9
٢ - حديث: "المنبتُّ لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى".
رواه البزار في مسنده وأبو نعيم في بعض تصانيفه والحاكم في علوم الحديث له، والبيهقي في سننه عنه وابن طاهر في صفوة التصوف من طريق الحاكم، كلهم من حديث خلاد بن يحيى عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله ﵄، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن هذا الدين
1 / 10
متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله، فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى". وقال الحاكم عقب تخريجه: هذا حديث غريب المتن والإسناد، وكل ما روي فيه فهو من الخلاف على محمد بن سوقة، فأما ابن المنكدر عن جابر، فليس يرويه غير محمد بن سوقة، وعنه أبو عقيل، وعنه خلاد بن يحيى. انتهى. وقال البيهقي: هكذا رواه أبو عقيل، وقد قيل عن محمد بن سوقة عن محمد بن المنكدر عن عائشة - يعني من رواية عبيد الله بن عمرو الرقي عن محمد - وقيل عنه، عن محمد ابن المنكدر عن النبي ﷺ مرسلًا، هذه رواية عنبسة بن عبد الواحد عن محمد، وقيل: عند غير ذلك.
قلت: كرواية شهاب بن خراش عن شيبان النحوي. ورواه عنه عن الحسن البصري مرسلًا، ورواية بعضهم عنه عن ابن المنكدر، وقال: قال عمر. أشار إلى ذلك الدارقطني في "العلل" وقال: ليس فيها حديث ثابت. انتهى. وقد قال البخاري في ترجمة محمد بن سوقة من تاريخه قال لي إسحاق: أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا محمد بن سوقة حدثني ابن محمد بن المنكدر، قال النبي ﷺ:"إن محمد بن المنكدر، ورواه أبو عقيل
1 / 11
يحيى عن ابن سوقة عن المنكدر عن جابر عن النبي ﷺ. والأول أصح. انتهى. وأبو عقيل ضعفه ابن المبارك، وعلى بن المديني والنسائي وغيرهم. وقال حرب: قلت لأبي عبد الله - يعني أحمد بن حنبل-: كي حديثه؟ فكان ضعفه، وقال أبو زرعة. لين، وقال ابن حبان: ينفرد بأشياء ليس لها أصول ولا يرتاب الممعن في الصناعة إنها معمولة، وقال ابن عدي: عامة حديثه غير محفوظة، وقال الساجي: منكر الحديث، وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم، وقال ابن عبد البر: هو عند جميعهم ضعيف، ولحديثه شاهد: لكنه ضعيف أيضا. أخرجه البيهقي في سننه، قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ - هو الحاكم - أخبرنا محمد بن المؤمل بن الحسن بن عيسى حدثنا فضل بن محمد الشعراني، حدثنا أبو صالح - يعني عبد الله بن صالح كاتب الليث - حدثنا الليث هو ابن سعد عن ابن عجلان - يعني محمدًا - عن مولى لعمر بن عبد العزيز عن عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ عن رسول الله ﷺ قال: "إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق ولا تبغض إلى نفسك عبادة ربك [فإن المنبت] لا سقرًا قطع ولا ظهرًا أبقى، فاعمل عمل امرئٍ يظن أن لن يموت أبدًا، واحذر حذرًا يخشى أن يموت غدًا".
1 / 12
والفضل بن محمد: قال أبو حاتم: تكلموا فيه، وقال الحاكم: كان أدبيًا فقيهًا عابدًا عارفًا بالرجال، وكان أرسل شعره فلقب بالشعراني، وهو ثقة، ولم يطعن فيه بحاجة، وقد سُئِلِ عنه الحسين بن محمد القباني فرماه بالكذب، وقال: سمع أبا عبد الله بن الأخرم يُسال عنه فقال: صدوق إلا أنه كان غاليًا في التشيع.
المولى لم أقف على اسمه وما عرفته والله أعلم.
وله طريقان في الأمثال للعسكري، وتكلم على معناه وهو من حديث جابر أيضًا عند القضاعي في مسند الشهاب، وله طريقة ثالثة لكنها مختصرة أخرجها عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه، قال: وجدت في كتاب أبي بخط يده.
حدثنا زيد بن الحباب أخبرني عمرو بن حمزة، حدثنا خلف أبو الربيع إمام مسجد سعيد بن أبي عروبة، حدثنا أنس بن مالك ﵁، قال: قال رسول الله ﷺ: "إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق".
وخلف هذا غير خلف بن مهران العدوي الذي روى له النسائي حديث: من قتل عصفورًا عبثًا. وإن كان صنيع المزي في
1 / 13
تهذيبه يقتضى أنهما واحد، فإن البخاري قد فرَّق بينهما، فجعل خلف بن مهران إمام مسجد بني عدي غير خلف أبي الربيع إمام مسجد سعيد بن أبي عروبة، وكذا قال أبو حاتم وذكر أن إمام مسجد سعيد يروي عن أنس، قال البخاري: وعنه عمرو بن حمزة القيسي لا يتابع في حديثه، وقال ابن خزيمة: لا أعرف خلفًا بعدالة ولا جرح، وكذا قال في الراوي عنه وتوقف في صحة حديثهما، وقال ابن عدي في الراوي
1 / 14
عنه مقدار ما يرويه غير محفوظ، وقال الدارقطني: ضعيف.
قلت: وزعم الهيثمي أن رجاله موثقون وأن خلفًا لم يدرك أنسًا، وتعقب عليه بما تقدم، وعلى كل حال فالحديث ضعيف إلا أن هذه الطريق على اختصارها أجود من اللتين قبلها. وبالله التوفيق.
وقرأت بخط بعض أصحابنا: المتين: الصلب الشديد، والموغل المبالغ.
والمنبت: بالمثناة الذي انقطع ظهره وأصل البت: القطع، فالمراد - والله أعلم - إن هذا الدين مع كونه سهلًا يسيرًا صلب شديد، فبالغوا فيه في العبادة، لكن اجعلوا تلك المبالغة مع رفق فإن الذي يبالغ فيه بغير رفق فيتكلف من العبادة فوق طاقته يوشك أن يمل حتى ينقطع عن الواجبات، فيكون مثله مثل الذي يعسف الركاب ويحملها على السير على ما لا يطيق رجاء الإسراء، فينقطع ظهره فلا هو قطع الأرض التي أراد ولا هو أبقى ظهره سالمًا ينتفع به بعد ذلك، وهذا كالحديث الآخر: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة.
قلت: وفي الأمر بالرفق أحاديث كثيرة مخرجة في الستة وغيرها من حديث جمع من الصحابة ﵃ والله أعلم.
1 / 15
٣ - حديث: "من آذى ذميًا فأنا خصمه".
رواه أبو داود بنحوه في كتاب الخراج من سنته عن سلميان بن داود بن مهران عن ابن وهب عن أبي صخر المدني عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله ﷺ عن آبائهم وفيه عن رسول الله ﷺ قال: "إلا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا خصمه يوم القيامة" وإسناده لا بأس به، ولا يضر جهالة من لم يُسم من أبناء الصحابة، فإنهم عدد كثير ينجبر به جهالتهم، وقد سكت عليه أبو داود فهو عنده صالح. ورواه البيهقي في سنته من طريق ابن وهب كما أخرجناه، لكنه قال: عن ثلاثين من أبناء أصحاب رسول الله عن آبائهم دنية، فكذره بلفظ: "ألا من ظلم معاهدًا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة" وأشار رسول الله ﷺ بأصبعه إلى صدره: "ألا ومن قتل معاهدًا له ذمة الله وذمة رسول الله، حرم الله عليه ربح الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا.
قلت: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو، وجابر، وأبي بكرة، وأبي هريرة، وعبد الله بن جراد وغيرهم.
أما حديث عبد الله بن عمرو، فرواه البخاري في الصحيح ولفظه،
1 / 16
ومن لم يُسم: "من قتل معاهدًا بغير حق، لم يرح رائحة الجنة، وإنه ليوجد ريحها من مسيرة أربعين عامًا".
وأما حديث جابر، فرويناه من حديث العباس بن أحمد المذكر، قال: حدَّثنا داود بن علي بن خلف، حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم، حدَّثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال النبي ﷺ: "من آذى ذميًا فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة" وهكذا أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات وقال: قال الخطيب: هذا الحديث منكر بهذا الإسناد، والحمل فيه عندي على المذكر، وكان غير ثقة.
قلت: والراوي عنه متهم بالاختلاق.
1 / 17
وأما حديث أبي بكرة، فرواه أبو داود والنسائي في سننهما والإمام أحمد والدرامي في مسنديهما والحاكم وابن حبان في صحيحهما، والبيهقي في سننه ولفظه: "ومن قتل نفسًا معاهدة بغير حلها، فقد حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها".
وأما حديث أبي هريرة، فأخرجه الحاكم في صحيحه، وقال: على شرط مسلم، والترمذي في جامعه وقال: حسن صحيح، وابن ماجه في سننه كلهم من حديث محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: "من قتل نفسًا معاهدة، له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله، فلا يرح رائحته الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا" وهو عند الطبراني من وجه آخر بلفظ: "من مسيرة مائة عام".
1 / 18
قلت: وفي تصحيح الحاكم له مقال، ليس هذا محله.
وأما حديث عبد الله بن جراد، فأخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة ومن طريقه أبو منصور الديلمي في الفردوس بلفظ: "من ظلم ذميًا مؤديًا لجزيته موفيًا لعهده فأنا خصمه يوم القيامة". وفي سنده من اتهم بالوضع.
وأما حديث من لم يسم: فهو عند أحمد في سمنده من حديث هلال بن يساف عنه مرفوعًا: "سيكون قوم لهم عهد فمن قتل رجلًا منهم لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما".
تنبيه: ذكر ابن الجوزي في الموضوعات نقلًا عن خط القاضي أبي يعلي محمد بن الحسين بن الفراء، عن خط ابي حفص البرمكي، قال: سمعت أبا بكر أحمد بن محمد الصيدلاني يقول: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل يقول: أربعة أحاديث تدور في الأسواق ليس لها أصل، فذكر منها: (ومن آذى ذميًا فأنا خصمه يوم القيامة".
1 / 19
قلت: وحكاه ابن الصلاح عن أحمد في نوع المشهور ذكره مثالًا، وتعقب غير واحد ابن الصلاح بأن هذا لا يصح، فقد أخرج أحمد في مسنده أحدهما ورد بأن هذا فيه نظر، فكم من حديث قال فيه أحمد: لا يصح وخرجه في مسنده، ومن نظر كتب العلل لابنه عبد الله، والأثرم، والخلال، عرف صحة هذا، وفيه نظر أيضًا، فإنه لم يقل: لم تصح، وإنما قال: لا أصل لها، نعم يحتمل أن يكون مراده لا أصل لها، أي صحيح، لكنه بعيد من السياق. وبالله التوفيق.
فائدة: ترجم ابن حبان في صحيحه: إيجاب دخول النار لمن أسمع أهل الكتاب ما يكرهونه، وساق فيه حديثًا عن أبي موسى الأشعري بلفظ: "من سمع يهوديًا أو نصرانيًا دخل النار".
وهذا فيه غلط كبير، وذلك أن لفظ الحديث: "من سمع بي من أمتي أو يهودي أو نصراني فلم يؤمن بي دخل النار"، هكذا رواه أبو بكر بن أبي شيبة والإمام أحمد في مسنديهما من الطريق التي أخرجه ابن حبان منها، وحينئذ فلا يصح أن يكون شاهدًا لهذا الحديث وإنما ذكرته للتنبيه على ما وقع فيه لئلا يغتر به والعلم عند الله تعالى.
1 / 20
٤ - حديث: "لحوم البقر داء وسمنها ولبنها دواء"
ليس هو في الكتب المشهورة لا الصحيحين، ولا السنن، ولا مسند الإمام أحمد، نعم أخرجه أبو داود في المراسيل عن النفيلي هو أبو جعفر عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل عن زهير بن معاوية الجعفي أحد الحفاظ قال: حدثتني امرأة من أهلي عن لميكة بنت عمرو أنها وصفت لها سمن بقر من وجع لحقها، وقالت: قال رسول الله ﷺ: "ألبانها شفاء، وسمنها دواء ولحومها داء" ورجاله ثقات.
وهكذا أخره الطبراني في المعجم الكبير من طريق زهير، لكن من رواية أبي النضر هاشم بن القاسم وهو ثقة أيضًا عنه، ولفظه عن مليكة: قالت: اشتكيت وجعًا في حلقي فأتيتها فوصفت لي سمن بقر، وقالت: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: "ألبانها شفاء وسمنها دواء
1 / 21
ولحمها داء".
ومن هذا الوجه أخرجه ابن منده في معرفة (معرفة الصحابة) ولفظه: أن ألبانها - أو لبنها - شفاء وسمنها دواء، ولحمها داء يعني البقر. وأخرجه أبو نعيم في كتاب "الطب النبوي" له من طريق علي بن الجعد عن زهير، فقال عن امرأته - وذكر أنها صدوقة - أنها سمعت من مليكة بنت عمرو، وذكرت أنها ردت الغنم على أهلها في إمرة عمر بن الخطاب أنها وصفت لها من وجع بها سمن بقر، وقالت: إن رسول الله ﷺ قال: "ألبانها شفاء، وسمنها دواء، ولحمها داء".
قلت: وليس في سنده من ينظر في حاله، إلا المرأة التي لم تسم، فيضعف الحديث بسببها، لا سيما وقد صح أن النبي ﷺ ضحى عن نسائه بالبقر وهو لا يتقرب بالداء، ثم إن لعل أبا داود لم يثبت عنده صحبة ملكية، حيث ذكر حديثها في المراسيل، وصنيع المزي في الأطراف يقتضي ذلك، فإنه قال: يقال: لها صحبة، لكن قد ذكرها ابن منده
1 / 22
وابن عبد البر وجماعة في الصحابة بلا تردد. والعلم عند الله تعالى.
ولهذا الحديث طريق أخرى أخرجها الحاكم من طريق سيف بن مسكين، حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن النبي ﷺ قال: "عليكم بألبان البقر وسمنائها وإياكم ولحومها فإن ألبانها وسمنائها دواء وشفاء ولحومها داء". وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
قلت: بل سنده ضعيف، والمسعودي اختلط والحديث منقطع، ومن هذا الوجه أخرجه أبو نعيم في "الطب" بلفظ: "عليكم بألبان البقر فإنها دواء وأسمائها شفاء وإياكم ولحومها فإن لحومها داء".
1 / 23
وله طريق ثالثة أو هي من الأولتين، أخرجه ابن عدي في الكامل من طريق محمد بن زياد الطحان عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال: "سمن البقر وألبانها شفاء ولحومها داء" والطحان متهم بالكذب. وله طريق رابعة: أخرجها أبو نعيم في موضعين من "الطب" من طريق دفاع بن دغفل السدوسي عن عبد الحميد بن صيفي بن صهيب عن أبيه عن جده صهيب الخير ﵁ قال: قال رسول الله ﷺ: "عليكم بألبان البقر فإنها شفاء وسمنها دواء".
ودفاع وثقه ابن حبان، وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ومن دونه، فيه من لم أعرفه لكن قال ابن القيم: إسناده لا يثبت.
1 / 24