ينحرون ماشيتهم، ويطهون الطعام.
ما ألذ هذه الإحساسات التي تفيض علي حين أفكر في حياة البطارقة! وإنني لأقول دون فخر أو غرور إنني أحيا هذه الحياة، إنني أشعر بكل تلك السعادة البسيطة الحقيقية المتمثلة في حياة الفلاح، يرى على مائدته الكرنب الذي أنبتته يداه، وبينا هو يلذ بطعامه إذا هو يتمتع بذكرى ذلك الصباح الجميل الذي زرعه فيه، والمساء الذي فيه رواه ورضاه في الأيام المتوالية، وهو يراه يزكو وينتعش.
الرسالة الرابعة عشرة
29 يونيو
جاء طبيب البلدة أمس الأول ليزور نائب الأمير، فوجدني والأطفال في فناء الدار صاخبين صائحين، ألعب معهم وأمازحهم، وكان الطبيب معروفا بالجمود والرصانة المتناهية، وقد وقف طول الوقت يتحدث ويصلح طيات ثيابه، ساحبا أهدابها في ختام الحديث، حتى ذقنه، معتبرا سلوكي غير لائق بمقام الرجال.
وقد ترجمت نظرته عن استهجانه بوضوح تام، ولكن لم يثنني جبينه المقطب، ولا حديثه الوقور عما أنا فيه، فأخذت ثانية أقيم بيوت الورق التي هدمها الأطفال، وقد أخبر هذا السيد كل إنسان أن أطفال النائب كانوا من قبل غير مهذبين، والآن سيفسدهم فرتر كل الإفساد. بلى أيها الصديق إنني أحب الأطفال، أحبهم جهدي، ولكن بعد شارلوت.
إنني حين أشهد في هذه المخلوقات الصغيرة بذور الفضائل والقوى العقلية تنمو وتترعرع، وأراها ستصبح موطدة الدعائم أصيلة في نفوسهم، حين أتبين في الشجاع منهم الثبات في المستقبل، والجلد على الشدائد، وفي اللعوب الضحوك ذلك النشاط وخفة الروح التي ستقاوم عبوسة الطالع، فتسلك طريقها في الحياة سهلا مرضيا، بل حين أراهم طهرا مجسما ورقة تسيل؛ أذكر كلمات معلمنا
1
السموية: «إلا أن تكونوا كواحد من هؤلاء الأطفال.»
على أننا أيها الصديق نميل إلى امتهان الأطفال وقد يكونون أعظم منا، نحن نعاملهم كالأرقاء إذا عهد بهم إلينا، وننكر عليهم ما يحبون ويشتهون! أليست لنا نحن رغائب ومشتهيات؟ إذا فأنى لنا حق المنع والحرمان؟ أمن طول السنين وحنكة الأيام؟ إن لهذه حسابا كما تنص الشرائع في السماء، ولكنها لا تعتبر فوق الغبراء! إنهم الآن ما كنا نحن، ولكن الوداع أيها الصديق، سوف لا أفرغ صبرك ولا أوهن قواي.
Неизвестная страница