Ахмед Ураби: клеветнический лидер
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Жанры
وعلى الذين ينكرون أقدار الرجال أن يتدبروا في موقف عرابي هذا، ثم لينظروا بعد ذلك هل كان صنعه ضئيلا كما يزعمون، ولكنا لا نوجه القول إلى هؤلاء وأمثالهم ممن يكتمون الحق وهم يعلمون ...
وهل ذاع صيت ميرابو واغتدى في قومه زعيما بفلسته وثقافته وهو المفكر الواسع الأفق، أم كان ذلك بصيحة منه تحدى بها القوة فملأت أسماع قومه ونفذت إلى كل قلب في فرنسا يؤمن بالحرية، يوم كانت فرنسا في مفترق الطرق إما إلى الحرية، وإما إلى العبودية؟
ولو أن جاندارك كتبت ألف كتاب أو خطبت الناس ألف خطبة، أكان ذلك يساوي لبسها الدرع واعتلاءها صهوة جواد وسيرها تقود الرجال مؤمنة إما إلى القبر وإما إلى النصر؟
إن الخطوة الأولى في كل حركة تتطلب إقداما وبسالة كانت - وما تزال - هي التي تنقل التاريخ من صفحة إلى صفحة ، وما يغفل عن قيمة الإقدام وخطره وبعد أثره إلا مكابر جحد به واستيقنته نفسه ...
وما ندعي أن عرابيا قد اتفقت له صفات الزعامة كلها أو أكثرها، ولكنا منه تلقاء صفة لن تقوم بدونها زعامة، تلك هي الشجاعة التي يأبى معها الرجل أن يذل، ويزيد في جلال هذه الشجاعة بروزها في وقت كذلك الوقت الذي نتحدث عنه، ذلك الوقت الذي لم يكن يجد فيه الشجاع إلا قليلا ممن يتأسى بهم أو يسير على نهجهم، والذي ألف فيه الذل حتى نسي الناس أنهم في ذل، والذي لم يكن فيه لذي النخوة عاصم من قانون أو دستور أو رأي عام، أو ما إليها مما يستعصم به الناس اليوم من جور الطاغين ومكر المستبدين. •••
يقول بلنت في كتابه: «كان تاريخ هذه القلاقل العسكرية في قصر النيل هو أول فبراير سنة 1881، وقد حدث وكنت لا أزال في مصر ولكن بعد أن غادرت القاهرة، ولست أتذكر أني سمعت اسم عرابي يذكر قبل حدوثها، ولكن الدور الذي لعبه في ذلك اليوم قد أكسبه شهرة سريعة، وسرعان ما صار اسمه على كل لسان، اسم رجل نجح في تحدي الحكومة والظهور عليها وإحداث تغيير في الوزراء، وأصبح مقامه في بضعة أسابيع مقام رجل ذي نفوذ وقوة في مصر أو على الأقل أصبح يعزى إليه القوة، وصارت تتقاطر عليه - كما هي العادة في مصر - الظلامات من أناس عانوا الظلم ويطلبون معونته للوصول إلى العدالة. ولقد أذاع صيته خارج القاهرة ظهوره في ثورته بمظهر الذي يحمي الفلاحين من جور الحكام الشراكسة، واتصل به كثيرون من الأعيان ومشايخ البلاد، وكان يرد على كل بما يسعه من رد حسن أو بما يدخل في طوقه المحدود من عون، وكان يؤثر في الناس تأثيرا حسنا أينما لقوه بحسن محضره وبابتسامته الجذابة وفصاحته في الحوار، ولقد اتفق كل الاتفاق لعرابي في مظهره الشخصي من المواهب ما يهيئه إلى ما ندب له من دور يلعبه في تاريخ مصر ممثلا طبقته، فهو فلاح كأدق ما تكون صورة الفلاح ، طويل القامة، ثقيل الساقين، بطيء الحركة إلى حد ما، وبهذه الصفات تتمثل لنا فيه قوة البدن الممتلئ التي هي من خصائص الفلاح العامل في دلتا النيل، ولم يكن له شيء من خفة الجندي، وكان في ملامحه شيء من ذلك السكون الذي أكسبه الوقار والذي يلمحه المرء في وجوه مشايخ القرى، وكانت ملامحه مظلمة في حال سكونه، وكانت لعينيه نظرة جامدة كنظرة الحالم، وليس يفطن المرء إلا حين يبتسم أو يتكلم إلى ما بنفسه من ذكاء عظيم وعطف، فعندئذ يشرق وجهه كما يشرق المنظر المظلم بنور الشمس ... ويجب أن نذكر أنه في تاريخ مصر كله لم يبرز في مدى ثلاثة قرون على الأقل فلاح بسيط إلى أن يصبح ذا مكانة سياسية لها خطرها، أو إلى أن يصبح داعية إصلاح أو إلى أن يهمس بكلمة تدعو حقا إلى الثورة.» •••
والحق أن مجرد غضبة مصري في مثل ذلك الوقت لمصريته ودفاعه عن قوميته كان يعد من ضروب الشجاعة التي تبلغ - لما أحاط بها من ملابسات - حد البطولة، ولن ينكر على عرابي المصري الفلاح ما في غضبته من معاني الزعامة والبطولة إلا مغرض أو جاهل، وهو لم يغضب فحسب ولم يعلن غضبه حتى رأى الخوف فنكص، وإنما طالب رئيس الوزراء بما اعتقد أنه الحق غير هياب ولا متلعثم، وأخذ يعد العدة بعدها لما عسى أن يدبر له من كيد، ولم يرض من الغنيمة بنجاته مما وقع فيه، وإنما ذهب على رأس جنده وحمل الخديو على إجابة ما يريده الجيش، فأبعد من منصبه ذلك الوزير الشركسي الذي كان يبعد المصريين من مناصبهم لا لشيء سوى أنهم مصريون ...
بهذا الذي فعله ذلك الفلاح الثائر حقت له الزعامة على الفلاحين من بني قومه، ولكن الأمر لم يقتصر على الفلاحين، فقد بات يخطب وده رجال الحزب الوطني كما سنبينه في موضعه ... •••
وأصبح بيت عرابي مقصد الكثيرين من الأحرار كما كان موئل رجال الجيش، ولم يجعل منه الوطنيون أداة لتنفيذ أغراضهم كما زين البغي أو الجهل لبعض المؤرخين أن يقولوا، فلقد كان مؤمنا بمبدأ الشورى كإيمانهم به، كما كان يكره المستبدين من الشراكسة ومن المصريين أكثر مما كان الوطنيون يكرهونهم، ولقد تجلى من قبل ميله إلى كل من يعطف على المصريين في علاقته بسعيد باشا وشدة ولائه له ...
وهكذا أصبح عرابي الفلاح ملتقى الآمال، يحرص على الصلة به الوطنيون والجند والفلاحون، ولقد بلغ من ذيوع صيته أن أصبح توفيق يغار منه حتى ما يستطيع أن يخفي تلك الغيرة.
Неизвестная страница