Ахмед Ураби: клеветнический лидер
أحمد عرابي الزعيم المفترى عليه
Жанры
وبهذه العوامل مجتمعة قام في مصر رأي عام يعد شيئا جديدا حقا في تاريخها الحديث، فقد اشتد الوعي القومي، وكان من أكبر بواعثه، ذلك العدوان الذي أسرف فيه الأجانب على مصر في غير حياء أو مبالاة.
أخذت تشتد الروح الوطنية وتتغلغل في النفوس، وكان شريف باشا يرقب حركة الأحرار الذين كانوا يجتمعون في بيت البكري، وكان لا يفتأ ينصح لهم ويشير عليهم بما يعملون، وكان يتمنى أن يتخذ منهم قوة يناوئ بها الأجانب ويحد من سلطان الخديو، ولن يتم ذلك فيما يرى إلا أن يكون الوزراء مسئولين أمام نواب الأمة كما هو الحال في المجالس الأوربية التي تسير وفق القواعد الدستورية ...
وسقطت الوزارة الأوربية، ولكنها ألفت ثانية برئاسة الأمير توفيق، فلقد رفض قنصلا إنجلترا وفرنسا أن يرأس إسماعيل نفسه الوزارة كما طلب، ولقد أرادت الدولتان على لسان قنصليهما أن يدخل نوبار الوزارة الجديدة فرفض الخديو وصمم على الرفض، ورأت الدولتان مبلغ حرص إسماعيل على إبعاد نوبار، فاشترطتا لقبول ذلك أن يعطى العضوان الأوربيان في الوزارة حق «الفيتو» على قرارات مجلس الوزراء، ورضي إسماعيل بذلك، فصار للعضوين الأوربيين حق إيقاف أي قرار لمجلس الوزراء لا يوافقان عليه، ومعنى ذلك أنهما يحكمان البلاد حكما لا يدع للخديو في مصر سلطة أو ظلها ...
وآن لمجلس شورى النواب أن يخطو خطوة ما كان أعظمها من خطوة، نمى إلى المجلس فيما نمى إليه من أنباء الوزارة الأوربية أنها تأتمر بالمجلس وتنوي التخلص منه، فصمم الأعضاء ألا يتفرقوا وأن يظلوا في أماكنهم للنظر في شئون البلاد في تلك الآونة العصيبة ... ألسنا نرى في ذلك صورة مما حدث في فرنسا في مستهل عهد ملكها لويس السادس عشر، حين اشتدت الضائقة المالية ورأى نواب الشعب وجوب العمل على وضع حد لسوء الحال؟ ولسوف تؤدي الظروف إلى أن يصبح ذلك المجلس الذي لم يكن له حول ولا قوة، هيئة تحاسب الوزراء على أعمالهم، وتملك إقصاءهم عن مناصبهم إذا تهاونوا في حقوق البلاد. ولقد كان لشريف باشا الفضل كل الفضل فيما ناله المجلس من حقوق، حتى ليعد شريف بذلك مؤسس الحركة الدستورية في مصر.
وكان المجلس في وزارة نوبار قد أرسل إلى السير ريفرز وزير المالية بدعوة ليحضر أمامه ليسأله عن بعض الأمور فسوف وماطل، ثم لم يحضر أو يرسل إلى المجلس شيئا مما طلب المجلس أن يطلع عليه من المشروعات، وضاق المجلس بما فعل وزير المالية، وفسر عمله بأنه إهانة موجهة إلى الأمة المصرية في أشخاص نوابها ...
وفي وزارة الأمير توفيق استصدر وزير الداخلية وهو يومئذ رياض باشا أمرا من الخديو إلى النواب بأن مدة مجلسهم قد انتهت فعليهم أن ينفضوا، وذهب رياض يتلو على النواب هذا الأمر، وهنا وقف النواب وقفة جديرة بأن تفخر بها مصر فيما تفخر به من مواقف البطولة، فلقد رفضوا أن يذعنوا، وهددوا رياضا بما عسى أن يقع من الحوادث في البلاد بسبب سياسة الوزارة، وجعلوا تبعة ذلك عليها، ولكم نرى من أوجه الشبه بين موقف هذا المجلس ومجلس طبقات الأمة في فرنسا، حين وقف فيه نواب الشعب الفرنسي يتحدون قرار الملك على أثر صيحة ميرابو المدوية التي نقلت تاريخ فرنسا من فصل إلى فصل.
ولكن النواب هنا لم يكونوا في الحقيقة يتحدون الخديو، فقد كانوا يعلمون أنه يعطف على حركتهم ليتخلص بهم من تدخل الأجانب في شئون مصر، ذلك التدخل الذي حرمه كل سلطة، وإنما كان النواب يتحدون الوزارة الأوربية ويريدون أن يأخذوا السبيل عليها ...
وكانت مطالب المجلس يومئذ تنحصر في المسألتين الدستورية والمالية، أما أولاهما فتتلخص في أن تكون الوزارة مسئولة أمام المجلس بحيث يصبح هيئة لها مكانها الفعلي في حكومة البلاد، وأما الثانية فمؤداها أن يبحث المجلس المسألة المالية دون الأجانب، وأن يقرر في أمر الدين والضرائب ما تمليه عليه مصلحة البلاد.
وأصر النواب على ما طلبوا فكانت حركتهم هذه حركة قومية إلى أقصى ما يتسع له معنى هذه الكلمة، وكان يظاهر النواب أحرار البلاد من العلماء والأعيان والتجار، الذين لم تنقطع اجتماعاتهم في بيت البكري، وأخيرا اتفقت كلمتهم جميعا على أن يتوجهوا إلى الخديو بما عرف باسم اللائحة الوطنية، وفيها يعترض النواب على اقتراحات ريفرز ولسن التي كانت ترمي إلى إعلان إفلاس مصر، ويقررون أن إيراد مصر يفي بدفع ديونها، ويطلبون إلى الخديو تقرير مبدأ مسئولية الوزارة أمام المجلس، وتأليف وزارة وطنية تقوم مقام هذه الوزارة الأوربية التي ضاقت بسياستها البلاد.
ولقد وضعت هذه اللائحة لجنة من النواب تحت إشراف شريف، فكانت هذه اللائحة الخطيرة كبرى حسناته إلى هذه البلاد، كما كانت أهم خطواته السياسية وأبعدها أثرا في مجرى الحوادث، ووقع على اللائحة ستون من أعضاء المجلس، ومثلهم من العلماء، وفي مقدمتهم شيخ الأزهر، كما وقع البطريرك والحاخام، وكذلك وقع عليها عدد كبير من الأعيان والتجار والموظفين والضباط، ودفعت بعد ذلك إلى الخديو فرأى أن قد حان الوقت ليوجه إلى النفوذ الأجنبي ضربة قوية، فالبلاد من ورائه تشد أزره، ولذلك لم يتردد في الموافقة على اللائحة، وسرعان ما هزت البلاد فعلته هزة قوية، هي هزة الفرح بانتصار الحركة الوطنية والأمل في مستقبل تحطم فيه البلاد أغلالها وتنعم بالراحة والرخاء.
Неизвестная страница