1
يبحث في شيوعية النساء.
ففي مثل هذا الوسط الحر نشأ أدب نزيه، خلو من القيود، لا يزال إلى الآن كما قلنا يوحي إلى الكتاب والأدباء روح التفكير النزيه الحر الجريء.
ولذلك يجدر بنا أن نبحث حلم أفلاطون في أول ما نبحث من أحلام الفلاسفة؛ لنرى أي مدينة فاضلة تخيلها لضمان سعادة الناس وراحتهم؛ فإن جميع من عالجوا هذا الموضوع بعده قد ساروا على طريق حاول هو من قبلهم أن يعده لهم، فما من واحد منهم كتب في «المدينة الفاضلة» إلا وكانت «جمهورية أفلاطون» وراء ذهنه تلهمه وتجرئه وتسدده.
ولا شك في أن المدينة الفاضلة كما توهمها «الفارابي» ترجع إلى أفلاطون في الإيحاء، بل في بعض الترسيم أيضا، ولكن الفارابي جريا وراء النزعة التي كانت سائدة في عصره اعتمد على «إلهيات» أفلاطون وبحثها وشرحها أكثر مما اعتمد على ترسيم الجمهورية الإنساني، حتى ليكاد يفقد الإنسان الصلة بين «المدينة الفاضلة» للفارابي و«الجمهورية» لأفلاطون. •••
تعلم أفلاطون وهو صبي في إحدى مدارس أثينا، وكان أهم ما في التعليم وقتئذ أن يستظهر أكبر مقدار من قصائد هوميروس وسائر الشعراء، ثم تعلم بعد ذلك الموسيقى والعزف على القيثارة، وأكب على العلوم الرياضية فبرع فيها، وكان طوال صباه وشبابه لا يفتر عن ممارسة الألعاب الرياضية، وقد فاز فيها بجوائز.
وكانت أول شهواته الذهنية أن يكون شاعرا، وقد ألف درامة شعرية للمسرح، ولكنه بتقدمه في السن صار يهجر الشعر إلى الفلسفة، إلى أن التقى بسقراط، وكان عمره عندئذ عشرين سنة، فقر قراره على البت في هذا الموضوع، وعمد إلى جميع قصائده فأحرقها وأرصد نفسه من ذلك الوقت للفلسفة، وبقي يلازم سقراط 6 سنوات، ورآه وهو يتناول السم سنة 399ق.م. وقد ترك هذا الحادث أثرا مؤلما في ذهنه؛ فإنه توجس شرا بعد ذلك من الجماهير وحكومات الشعب.
ورأى أفلاطون أن «أثينا» لم تعد ذلك المكان المأمون الذي يستطيع أن يعيش فيه؛ فتركها وقضى بضع سنوات في رحلة طويلة زار فيها مصر وإيطاليا، ودرس عادات الأمم التي حول البحر المتوسط ونظمها السياسية وأديانها، وانتفع بكل ذلك عندما شرع يؤلف «طوباه» أو مثله الأعلى في كتابه «الجمهورية».
وعاد أفلاطون إلى أثينا وقد بلغ الأربعين، فقصد إلى ضيعة صغيرة ورثها عن أبيه، قريبا من أثينا فأقام فيها، وصار الشبان يهرعون إليه للتعلم على يديه، وكان يلقي أحاديثه أو محاضراته في منزله أو على حائش من الزيتون بالقرب من ضريح لأحد الأبطال يدعى أكاديموس؛ ومن هنا سميت مدرسته أكاديمي وهي اللفظة التي تطلق إلى الآن على المجامع العلمية، وربما كانت الأكاديمية التي أنشأها أفلاطون أولى الجامعات في العالم، فقد انتظم فيها التعليم على النسق الحديث، ولم يكن أفلاطون يجزم بشيء، وإنما يناقش ويحتكم إلى العقل، وكان يفرض على جميع الطلبة أن يدرسوا الرياضيات قبل أن يشرعوا في درس الفلسفة.
وكان أفلاطون - لتربيته الأدبية الأولى، ثم لثقافته العلمية الثابتة - يتكلم بلغة الأديب ويفكر تفكير العالم؛ ولذلك كان يستهوي الطلبة ببيانه، ولقد تخرج على يديه أرسطوطاليس وتعلم منه قيمة البيان في الكتابة حتى الكتابة العلمية، وقد قيل فيه: لو كانت الآلهة تتكلم باللغة الإغريقية لنطقت بها كما ينطق أفلاطون.
Неизвестная страница