وكان في ألفاظه حلاوة وإغراء، فعدت إلى الفراش، واضطجعت، فقعد على كرسي بجانب سريري، وأخذ يجس نبضي ويفحص لساني ويتحسس أجزاء في جسمي، ثم قال: «يبدو لي أنك قد عوفيت، ولكن يحسن عقد مجلس من الأطباء للإقرار على شأنك.»
فقلت: «ماذا كانت علتي، ومتى يسمح لي بالعودة إلى البيت؟» فضحك ضحكة طويلة دون القهقهة، وقال: «يظهر أنك تجهل كل شيء. لقد مضي عليك هنا 1180 سنة، إن حادثتك غريبة؛ فقد أصبت سنة 1925 بفالج في الدماغ، فذهب عنك وعيك، وبقيت سائر أعضاء جسمك تعمل كما لو كنت صاحيا، كنا نغذيك وأنت نائم حتى ذهب عنك الفالج فصحوت الآن، لقد نمت 1180 سنة.»
ولكن هذا الكلام لم يجز إلى عقلي، ورأيت من العبث أن أجادل هذا الرجل، فتجاهلت كل ما قاله وقلت بثبات وعزم: «أريد أن أرى عائلتي.»
فعاد إلى ضحكته التي تراءت لي هذه المرة أنها سخيفة جدا، وتبدت على وجهه عندئذ ملامح الوغد الذي يتعلل لحبسي وإيهامي أوهاما كاذبة، فقلت وصوتي يتهدج بما يهيج في نفسي من الغيظ: «إذا لم أذهب إلى عائلتي فأنا أقفز من هذه النافذة وأنتحر، وأنت المسئول!»
فعلت وجهه حمرة الاضطراب، وقام يتلطف ويسري عني ويقول: «ستخرج قريبا بعد استفتاء المجلس، لا تخش شيئا، كلنا يحب لك الخير والراحة، لا تخش شيئا، انظر قد حضر بعض الأعضاء.»
فنظرت إلى الباب فإذا بخمسة أو ستة أشخاص يسيرون نحو غرفتي، وتأملتهم عندما دخلوا فوجدت فيهم اثنتين من النساء، وأخذوا جميعهم يفحصونني، وأقروا على أن صحتي جيدة، وأذنوا لي في الخروج بعد تناول الطعام.
فقدم لي طبق من فواكه مختلفة لا أعرف أسماءها، ولم يقدم لي شيء مطبوخ، فقلت: «هذا لا يقيتني، أرجوكم أن تحضروا لي لحما وخبزا؛ فإني أشعر بالجوع الشديد.»
فلاطفني أحدهم وأخبرني بأن في هذه الفواكه ما يزيد على حاجة جسمي من الغذاء، وفيها طعوم مختلفة حلوة وملحة، ثم رتبها لي فأكلت أولى الأثمار فكانت تشبه في طعمها اللحم، ثم أكلت شيئا من الجوز، وكان يسيل دهنا، ثم تناولت ثمرة جميلة اللون ذكية الرائحة قريبة في الطعم من الكمثرى، وأحسست بالشبع والري من هذا الطعام اللذيذ.
ثم انفض المجلس وبقي الشخص الأول، فقال لي: «والآن هل تريد أن تخرج إلى المدينة؟»
فقلت: «أجل، هذا ما أريد.» فناولني سراويل ومعطفا لبستها وخرجت معه.
Неизвестная страница