Socialism
أي: الاشتراكية حوالي سنة 1825، وليس النظام الاشتراكي سوى «طوبى» يتمنى العمال تحقيقها في مقتبل الأيام، فهي الآن أمنيتهم وحلمهم، ولكن يبدو من تصفح الأحوال السياسية في الأمم الغربية أنهم صائرون إلى تحقيق هذه الطوبى أو ما يشبهها، ومعظم الطوبويين أو رجال المثل العليا في القرن التاسع عشر هم - أو أكثرهم - لهذا السبب من الاشتراكيين، فهؤلاء الاشتراكيون يرون تقدم الآلات والمقادير العظيمة التي تنتجها من البضائع فيتساءلون: لم لا تملك الأمة هذه الآلات وتصنع بها ما يكفي الناس من اللباس؟ ولم لا تستعمل هذه الآلات في الزراعة؛ فيتوافر للفلاح وقته ليقضي منه ما يشاء في تربية نفسه والترفيه عنها؟ ولم يربح الممولون كل هذه الأموال التي يغلها عليهم الحديد والنار؟ أوليس من العدل أن تكون المخترعات شائعة يستغلها كل أفراد الأمة في شخص الحكومة.
وأول رؤيا نصفها من رؤى القرن التاسع عشر هي رؤيا «شارل فورييه»
1
وهو من زعماء الاشتراكية في فرنسا، وقد رأى فورييه فيما يرى اليقظان أن جماعة يبلغ عددها نحو 1600 نفس تعيش معا، ويقوم أعضاؤها بجميع حاجاتهم، والأمة التي منها هذه الجماعة مقسمة جماعات على هذا النمط، كل منها تتكفل بحاجاتها دون الالتجاء إلى جماعة أخرى، والإنسان في رأي فورييه شخصية مثلثة: فهو صناعي يبغي المؤالفة بينه وبين الوسط الذي يعيش فيه بالصناعة، وهو اجتماعي يبغي المؤالفة بينه وبين الجماعة التي ينتسب إليها، وهو ذهني يحتاج إلى كشف النواميس التي تعمل لنظام هذا الكون، وهو لهذه الشخصية المثلثة يضع جماعته المكونة من 1600 نفس في بقعة مختلفة المناظر والنواحي، فيها الجبل والنهر والغابة والسهل والمدينة.
وصناعة الأهالي الأصلية هي الزراعة، ولكن الأهالي مع ذلك يمارسون جميع الفنون والصناعات الأخرى؛ إذ إن كل جماعة مستقلة عن الأخرى.
وفي وسط البقعة التي تقيم فيها الجماعة بناء: «وهو قصر كامل بحاجات المجتمعين، له ثلاثة أجنحة؛ أحدها صناعي وآخر اجتماعي وآخر ذهني، ففي الأول المصانع وقاعاتها، وفي الأخير المكتبة والمجموعات العلمية والمتاحف وقاعات الفن ونحو ذلك، أما الجناح الاجتماعي ففي الوسط وهو يحتوي قاعات الطعام والاستقبال والسمر وفي أقصى القصر معبد المؤالفة الحسية، وهو خاص بالرقص والموسيقى والشعر والرسم ونحو ذلك، وفي أقصى القصر من الناحية الأخرى معبد الاتحاد الذي يحتفل فيه بالشعائر اللائقة باتحاد الإنسان بالكون، وهنا برج ومرصد به تلغراف للاتصال بسائر الجماعات.»
وهذا البناء هو بالطبع المدنية كلها، يعيش أهلها معا، لهم مطبخ واحد، ومنذ الصغر يتعلم الأطفال كيفية الطبخ، وهم يأكلون معا، وإن كان من الممكن أن يتناول كل إنسان طعامه بمفرده على عزلة، ولكل واحد من الجماعة مقدار معلوم من الطعام والغذاء والمسكن والملهى يتساوى فيه مع سائر أفراد الجماعة بغض النظر عن العمل الذي يزاوله، ثم فوق ذلك له أن يحصل على امتيازات أخرى يخوله إياها ما له من الأسهم في شركة هذه الجماعة، فهنا تمييز بين العامل المجد والعامل المخل، وهنا أيضا ترخيص بالامتلاك الفردي إلى درجة ما، فالجماعة مساهمون يعيشون عيشة مشتركة يتساوون فيها كلهم، ثم يمتاز منهم الحاصل على أسهم أكثر من غيره، ولكن هذا الامتياز قليل الأثر؛ لأن الربح في النهاية - بعد الإنفاق على هذه العيشة - يكون صغيرا لا يؤبه به، فهذا - كما يرى القارئ، شبه توفيق بين مبدأي الاشتراكية والانفرادية.
والصناعات تمارس على نظام واسع اقتصادا في النفقة، كل عامل يختص بجزء من العمل حتى ينجز الكثير منه في القليل من الوقت، والجماعة تتجر مجتمعة كأنها هيئة واحدة، فتبيع للجماعات الأخرى ما هي في غنى عنه، وتوزع الأرباح على أعضائها بنسبة ما لهم من الأسهم فيها على نحو ما تفعل الجمعيات التعاونية الآن.
والمرأة في هذا النظام حرة، تشتغيل كما يشتغل الرجال، ويرى فورييه أن الزواج لا يوافق هذه الحرية، ففي البناء مكان لتربية الأطفال الرضع، وللجماعة جيش لا يعبأ للحرب وإنما يسير لمكافحة الطبيعة: لشق الأنهار وزرع الغابات وبناء الجسور وتجفيف الأرض النازة ونحو ذلك، ويرى فورييه في ذلك منصرفا لنشاط الشباب يقوم مقام الحرب.
Неизвестная страница