وإذا في الصومعة راهب، فقلت له: حدثني بأعجب ما رأيت في هذا الموضع، قال: نعم، بينما أنا ذات يوم، إذ رأيت طائرا أبيض مثل النعامة، قد وقع على تلك الصخرة، فتقيأ رأسا ثم رجلا ثم ساقا، فإذا هو كلما تقيأ عضوا من تلك الأعضاء، التأمت بعضها إلى بعض أسرع من البرق، حتى استوى رجلا جالسا، فإذا هم بالنهوض نقره الطائر نقرة قطعه أعضاء، ثم يرجع فيبتلعه، فلم يزل على ذلك أياما، فكثر تعجبي منه وازددت يقينا بعظمة الله تعالى، وعلمت أن لهذه الأجساد حياة بعد الموت. فالتفت إليه يوما، فقلت: أيها الطائر، سألتك بحق الله الذي خلقك وبرأك، ألا أمسكت عنه حتى أسائله، فيخبرني بقصته، فأجابني الطائر بصوت عربي طلق: لربي الملك وله البقاء، الذي يفني كل شيء ويبقى، أنا ملك من ملائكة الله، موكل بهذا الجسد لما أجرم، فالتفت إليه، فقلت: يا هذا الرجل المسيء إلى نفسه، ما قصتك؟ ومن أنت؟ قال: أنا عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي، وإني لما قتلته وصارت روحي بين يدي الله، ناولني صحيفة مكتوب فيها ما عملته من الخير والشر منذ ولدتني أمي إلى أن قتلت عليا، وأمر الله هذا الملك بعذابي إلى يوم القيامة، فهو يفعل بي ما تراه. ثم سكت فنقره ذلك الطائر نقرة نثر أعضاءه بها، ثم جعل يبتلعه عضوا عضوا، ثم مضى".
قال السيوطي: هذا الإسناد ليس فيه من تكلم فيه سوى أبي علي، فقال الذهبي: إنه كان متهما. قال ابن رجب: وقد رويت هذه الحكاية من وجه آخر أخرجها ابن النجار في تاريخه، وأيضا من طريق أبي عبد الله الرازي صاحب السداسيات عن أبي بكر بن أبي الأصبع قال: قدم علينا
1 / 36