(٢٧) - وقوله تعالى: ﴿ويفسدون في الأرض﴾ [البقرة: ٢٧]
وجوه الفساد لا تنحصر، وقد فسرت الشريعة ما هو فساد مما ليس بفساد. ويؤخذ من هذه الآية أن من نقض عهدًا، أو قطع ما أمر الله أن يوصل أو أفسد في الأرض أنه يطلق عليه اسم الفسق. وأصله الخروج من الشيء، يقال: فسقت الرطبة إذا خرجت من قشرها، وفسقت الفأرة إذا خرجت من جحرها، كذا هو في اللغة، وهو في الشرع الخروج من الطاعة إما إلى كفر وإما إلى عصيان.
(٢٩) - قولله تعالى: ﴿هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثم استوى إلى العرش﴾ الآية [البقرة: ٢٩]
قوله: ﴿لكم﴾ قيل: معناه لتعتبروا، ويدل عليه ما قدم من ذكر العبر.
وقيل: معنى قوله ﴿لكم﴾ إباحة الأشياء وتمليكها، حتى قال بعضهم: هذا يدل على إباحة الأشياء في الأصل إلا ما ورد فيه دليل الحظر.
وقال ابن عطية في «تفسيره»: «هذا قول من يقول: إن الأشياء قبل ورود النهي على الإباحة» ثم ساق الأقوال الثلاثة في ذلك هل هي على الإباحة أو الحظر أو الوقف؟ .
وهذا وهم، لأن الذين اختلفوا [الخلاف الذي ذكره إنما اختلفوا] فيما لم يرد فيه سمع ما حكمه في العقل قبل أن يرد السمع، والحجة بالآية على قول الإباحة وهمٌ، لأن الآية نفسها هي الشرع. فإن دلت على الإباحة، فالشرع أعطى الإباحة لا العقل، وهي مسألة ثانية هلى الأشياء المسكوت عنها في الشرع- وهي التي لم يرد فيها حكم ولا دليل- محمولة على الإباحة بهذا الدليل العام، أم هي موقوفة على دليل يخصها؟ .
1 / 46