Ахкам аль-Куран
أحكام القرآن لابن العربي
Издатель
دار الكتب العلمية
Номер издания
الثالثة
Год публикации
١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م
Место издания
بيروت - لبنان
سَمِعْت بَعْضَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ: وَإِبْرَاهِيمُ الَّذِي وَفَّى بِمَالِهِ لِلضِّيفَانِ، وَبِبَدَنِهِ لِلنِّيرَانِ، وَبِقَلْبِهِ لِلرَّحْمَنِ.
[الْآيَةُ الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ قَوْله تَعَالَى وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا]
﴾ [البقرة: ١٢٥]
هَذَا تَنْبِيهٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ عَلَى فَضْلِهِ، وَتَعْدِيدٌ لِنِعَمِهِ الَّتِي مِنْهَا جَعَلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ لِلْعَرَبِ عُمُومًا وَلِقُرَيْشٍ خُصُوصًا مَثَابَةً لِلنَّاسِ أَيْ مَعَادًا فِي كُلِّ عَامٍ لَا يَخْلُو مِنْهُمْ، يُقَالُ: ثَابَ إلَى كَذَا أَيْ: رَجَعَ وَعَادَ إلَيْهِ، فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ جَاءَهُ عَادَ إلَيْهِ.
قُلْنَا: لَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ الْجُمْلَةِ، وَلَمْ يَعْدَمْ قَاصِدًا مِنْ النَّاسِ؛ وَكَذَلِكَ جَعَلَهُ ﵎ أَمْنًا يَلْقَى الرَّجُلُ فِيهِ قَاتِلَ وَلِيِّهِ فَلَا يُرَوِّعُهُ.
وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٧]
وَكَذَلِكَ: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ [العنكبوت: ٦٧]
وَهَذَا لِمَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ رَكَّبَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ وَتَفْضِيلِ الْمَوْضِعِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَرْضِ الْمُشَابِهَةِ لَهُ فِي الصِّفَةِ، بِهَذِهِ الْخِصِّيصَى الْمُعَظَّمَةِ.
وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ الْكَلْبَ الْخَارِجَ مِنْ الْحَرَمِ لَا يُرَوِّعُ الصَّيْدَ بِهَا، وَهَذَا مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا؛ وَهَذَا اللَّفْظُ وَإِنْ كَانَ وَرَدَ بِالْبَيْتِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَرَمُ كُلُّهُ؛ لِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِيهِ كَانَتْ وَعَلَيْهِ دَامَتْ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الْأَمْنِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ أَمْنٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ دَخَلَهُ مُعَظِّمًا لَهُ
1 / 57