78

Ахкам аль-Куран

أحكام القرآن

Исследователь

محمد صادق القمحاوي - عضو لجنة مراجعة المصاحف بالأزهر الشريف

Издатель

دار إحياء التراث العربي

Место издания

بيروت

تُوجِبُ الْإِعَادَةَ عَلَى مِنْ صَلَّى بِاجْتِهَادِهِ مَعَ إمْكَانِ الْمَسْأَلَةِ عَنْهَا إذَا تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُهَا قِيلَ لَهُ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ الِاجْتِهَادِ مَعَ وجود من يسئله عَنْهَا وَإِنَّمَا أَجَزْنَا فِيمَا وَصَفْنَا صَلَاةَ مَنْ اجْتَهَدَ فِي الْحَالِ الَّتِي يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ فِيهَا وإذا وجد من يسئله عَنْ جِهَةِ الْكَعْبَةِ لَمْ يُكَلَّفْ فِعْلُ الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادِهِ وَإِنَّمَا كُلِّفَ الْمَسْأَلَةَ عَنْهَا وَيَدُلُّ عَلَى ما ذكرنا أنه معلوم من غاب عن حضرة النبي ﷺ فَإِنَّمَا يُؤَدِّي فَرْضَهُ بِاجْتِهَادِهِ مَعَ تَجْوِيزِهِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَرْضُ فِيهِ نَسْخٌ وَقَدْ ثَبَتَ أن أهل قبا كَانُوا يُصَلُّونَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَتَاهُمْ آتٍ فَأُخْبَرَهُمْ أَنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ فَاسْتَدَارُوا فِي صَلَاتِهِمْ إلَى الْكَعْبَةِ وَقَدْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُسْتَدْبِرِينَ لَهَا لِأَنَّ مَنْ اسْتَقْبَلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ فَهُوَ مُسْتَدْبِرٌ لِلْكَعْبَةِ ثُمَّ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ حِينَ فَعَلُوا بَعْضَ الصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَ وُرُودِ النَّسْخِ إذْ الْأَغْلَبُ أَنَّهُمْ ابْتَدَءُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ النَّسْخِ لِأَنَّ النَّسْخَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ بالمدينة ثم سار المخبر إلى قبا بَعْدَ النَّسْخِ وَبَيْنَهُمَا نَحْوَ فَرْسَخٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ صَلَاتِهِمْ كَانَ بَعْدَ النَّسْخِ لِامْتِنَاعِ أَنْ يَطُولَ مُكْثُهُمْ فِي الصَّلَاةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَ ابْتِدَاؤُهَا قَبْلَ النَّسْخِ كَانَتْ دَلَالَتُهُ قَائِمَةً لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا بَعْضَ الصَّلَاةِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ النَّسْخِ فَإِنْ قِيلَ إنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ ابْتَدَءُوهَا قَبْلَ النَّسْخِ وَكَانَ ذَلِكَ فَرْضَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فَرْضٌ غَيْرُهُ قِيلَ لَهُ وَكَذَلِكَ الْمُجْتَهِدُ فَرْضُهُ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضٌ غَيْرُهُ فَإِنْ قِيلَ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ اجْتَهَدَ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ ثُمَّ وَجَدَ النَّصَّ فِيهِ فَيَبْطُلُ اجْتِهَادُهُ مَعَ النَّصِّ قِيلَ لَهُ لَيْسَ هَذَا كَمَا ظَنَنْت لِأَنَّ النَّصَّ فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ إنَّمَا هُوَ فِي حَالِ مُعَايَنَتِهَا أَوْ الْعِلْمِ بِهَا وَلَيْسَتْ لِلصَّلَاةِ جِهَةٌ وَاحِدَةٌ يَتَوَجَّهُ إلَيْهَا الْمُصَلِّي بَلْ سَائِرُ الْجِهَات لِلْمُصَلِّينَ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ فَمَنْ شَاهَدَ الْكَعْبَةَ أَوْ عَلِمَ بِهَا وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَفَرْضُهُ الْجِهَةُ الَّتِي يُمْكِنُهُ التَّوَجُّهُ إلَيْهَا وَلَيْسَتْ الْكَعْبَةُ جِهَةَ فَرْضِهِ وَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْجِهَةُ فَفَرْضُهُ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَقَوْلُكَ إنَّهُ صَارَ مِنْ الِاجْتِهَادِ إلَى النَّصِّ خَطَأٌ لِأَنَّ جِهَةَ الْكَعْبَةِ لَمْ تَكُنْ فَرْضَهُ فِي حَالِ الِاجْتِهَادِ وَإِنَّمَا النَّصُّ فِي حَالِ إمْكَانِ التَّوَجُّهِ إلَيْهَا وَالْعِلْمِ بِهَا وَأَيْضًا فَقَدْ كَانَ لَهُ الِاجْتِهَادُ مَعَ الْعِلْمِ بِالْكَعْبَةِ وَالْجَهْلِ بِجِهَتِهَا فَلَوْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ النَّصِّ لَمَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى نَصًّا عَلَى الْحُكْمِ كَمَا لَا يَسُوغُ الِاجْتِهَادُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى نَصًّا عَلَى الْحُكْمِ فِي حَادِثَةٍ وقَوْله تَعَالَى [وَقالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ] قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْإِنْسَانِ لَا يَبْقَى عَلَى وَلَدِهِ لِأَنَّهُ

1 / 80