Разговоры деревни: рассказы и воспоминания
أحاديث القرية: أقاصيص وذكريات
Жанры
إني أرى الناس فيه سواسية، فالشيوخ المطلون على هاوية الأبدية، وأصحاب الرؤى والأحلام من الفتيان والفتيات يلتقيان جميعا عند عتبة رأس السنة. كلهم يتقبلون التهنئات بحرارة وابتسام. لا شك في أن ابتسامة الشيخ رخوة، ولكنها ابتسامة في كل حال.
وعلى ماذا يهنأ الشيخ؟ ألأنه ماض لسبيله غدا أو بعد غد؟ ولكن لا. الشيخ يرجو عمر لبيد، وعلى الأقل عمر لبيد الذي سئم الحياة وطولها وسؤال الناس كيف لبيد؟ فليأمل. ليس عند الله أمر عسير.
هذا سر الحياة، وهذا لغزها المعقد المقعد، وكلما طول الحبل طاب للجواد المرعى.
أصبح هذا اليوم محطة لإذاعة التمنيات، فلا تسل عما يتبادله فيه الناس من هدايا طريفة، وما تهدر فيه من ثروات على الموائد الخضراء، أما الفقير فحصته ألم وحنق وسب الدهر. كشف البخت في كل مكان، في كل بيت، يستخبرون الورق، فيضيعون ما عندهم في سبيل استكشاف ما تضمره لهم الأيام، ومتى كانت الأيام تكشف ضميرها للناس، إن كان لها ضمير.
هذا حديث رأس السنة العام، أما الخاص فهو ذكريات عن شيخي. كان لجدي في ليلة هذا العيد رأي غير رأي الناس. كان يجلس متربصا عن يمين الموقد، كعادته كل ليلة وعصاه حده، فيذكرني قول زهير: وألقوا عصي الحاضر المتخيم. أجل لقد ألقى جدي عصاه، وقعد في قاعة الانتظار، يقضي السهرة وشفتاه ترقصان الهوينا، قد تفلت من بينهما ألفاظ ولكنها لا تفهم، يولي ظهره السامرين كأنه لا يعرف أحدا منهم، وكلهم أولاده وأحفاده وأنسباؤه.
القيامة قائمة حواليه، لعب ورق يتفاءل به الغالب، ويتشاءم المغلوب. كلاهما يخال أن هذا اللعب جد، وعليه يتوقف نحس عامه وسعده، فكأنما سر الغيب يكمن في نقاط الورق وتزاويقه . يحتال كل منهم على الفوز، ويتوسل له بالحيلة والغش، زاعما أنه إذا غلب استولى على أمد الحظ، وواكبه التوفيق والإقبال في سنته الجديدة.
وتدار على الناس أكلة ليلة العيد التقليدية: القمح المسلوق، المخلوط بالجوز واللوز، وما يتبعه من نقل فلا يأكل جدي إلا نقرة، فأخاله من تلك الطيور القواطع التي طالما شبه لي بها الناس في طريقهم إلى دنيا الأبدية.
وينام جدي، وأنام أنا، والجمهور لا يزال في صخبه، لا أعرف ماذا كان يحلم ابن تسع وثمانين بمناسبة هذه الذكرى. أما أنا فمهما نسيت فلا أنسى أنني كنت أحلم بالصباحيات: بالسكربينة الجديدة، بالقنباز المقلم، بالزنار الحريري، بالطربوش الأحمر العزيزي، بمجاني الأدب الذي وعدني به ابن عمتي الخوري، بالساعة التي قال خالي الخوري أنه يرسلها من القدس.
إن هذه الصباحيات تافهة بالنسبة لصباحية جدي. كانت (صباحيتي) أولا، ريالا مجيديا ثم أخذت تكبر معي حتى جعلها أخيرا ليرة ذهبية.
كنت ووالدي مع هذا الدينار على طرفي نقيض، تعجبني أنا طلعته ورنته، وتعجبه هو قيمته. أما ضمن حق قنطار طحين. فيظل الدينار في حوزتي حتى الظهر، ثم يزج في سجنه الموقت. أما لداتي فكانوا يتسابقون على (تصبيح) ذويهم، والضربة في (الصباحية) لمن سبق. ولكن من أين لهم جد كجدي تسخى نفسه عن أصفر رنان. كانوا يخوضون الضيعة خوضا من كعبها إلى رأسها وما يجمعون إلا متاليك وبشالك، أما الليرة الذهبية وعليها صورة خيال - مار جرجس - فكان لا يظفر برؤيتها أحد غير مارون.
Неизвестная страница