أنا وجودي
وكاتب هذه السطور «وجودي» إذا كان معنى الوجودية إنصاف الضمير الفردي وتقديس الإنسان المستقل بفكره وخلقه. وعندنا أن الجماعة المثلى هي الجماعة التي تهيئ للفرد غاية ما يستطاع من الكرامة والاستقلال، وأنها إذا توقف وجودها على فناء الفرد ومحو استقلاله جماعة جديرة بالفناء.
إلا أن الوجودية التي تؤمن بوجود الفرد لينسى واجبه، ولا يذكر غير هواه ليست في الحق إلا عدمية باسمها وفعلها، وهي من المفارقات والأغاليط بالنسبة إلى الآحاد وإلى الأنواع والجماعات.
المدرسة الرمزية
والمدرسة الرمزية - كالوجودية - إحدى المذاهب الصالحة التي قد يفسدها من يقولون بها أو يدعون إليها.
فهي صالحة إذا اعتبرنا أن الكلام كله رمز إلى المعنى، وأنه يتفاوت في الوضوح على حسب تفاوته في الألفة والجريان على الألسنة والتفاهم عليه بين المتخاطبين، وقد يكون المعنى من نوادر الذهن فلا يكون له رمز شائع بين جميع المتخاطبين، ويستلزم التعبير عنه أن يبتدع له صاحبه رمزا من عنده، قد يكون من قبيل المجاز والكناية كما يكون من قبيل الخطاب الصريح. •••
والكلام عن المدرسة الرمزية في المقال التالي يرمي إلى الفصل بين هذه الحدود، ليلحق بمذاهب البناء أو مذاهب الهدم ما هو أدنى إليها من أساليب هذه الرموز. (1) حب الأزياء
كانت باريس فيما بعد القرون الوسطى عاصمة الحضارة الأوروبية، وكان بلاطها الفخم مصدر المراسم والتقاليد في أرجاء الغرب كله، تصدر عنه الأزياء والآداب والعرف المتبع في مجالس الطبقات العليا، وكان لها الشأن - كل الشأن - يومئذ في جميع البلدان. فلا تنقضي فترة يسيرة من الزمن دون أن يسفر التنافس بين فرسان البلاط وحسانه عن شارة جديدة وزي جديد، ولم يكن لهم بد من طرافة يتحدثون بها في عالم الأدب والفن كما يتنافسون بالطرائف في عالم الشارات والأزياء. فلما بدأت نهضة الأحياء الحديثة باستيحاء الأساليب اللاتينية واليونانية رحب بها طلاب الجديد ريثما طال العهد فبرموا بها وتطلعوا إلى نمط جديد. فتوالت الأنماط بين أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن العشرين من المدرسة المجازية إلى المدرسة الواقعية إلى المدرسة البرناسية إلى المدرسة الرمزية، إلى هذه المدارس التي تسمى بالمستقبلية تارة وبما وراء الواقعية تارة أخرى، ولا تستقر طويلا على حال.
ولم يكن التفات الناس إلى عاصمة الأزياء وانتظارهم منها الجديد بعد الجديد هو الباعث الوحيد إلى تعاقب هذه المدارس بمختلف الأسماء والآراء، وإنما صادفت هذه الحالة معينا لها من حب الاندفاع في السليقة الفرنسية، فأصبح حب التغيير نتيجة لازمة لكل اندفاع بلغ مداه واستنفد قواه.
فلا تجد في غير فرنسا ولعا كهذا الولع بالمدارس الأدبية المتلاحقة، ولا سأما كهذا السأم من أسلوب بعد أسلوب، وصبغة بعد صبغة.
Неизвестная страница