وقال أبي: سيجيء مع الفجر، وينام حتى العصر، ويظل البيت مملكتك الخاصة عدا حجرة واحدة.
لم أشعر بمجيئه قط، ولكنه كان يذهب عادة مع والدي أو في أعقابهما. كان وقح النظرة، فظ التعبير ... وجعل يهتم بي اهتماما متكلفا مجاملة لأبوي، ولكني لم أحترمه. وشاهد مكتبتي يوما من مجلسه في الصالة، فسألني: كتب المدرسة؟
فقالت أمي بزهو: كتب أدب ومسرحيات، إنك تحدث مؤلفا مسرحيا! - اللعنة على المسرح، ليتني كنت بياع خردة أو لحمة راس.
عند ذاك سألته: لم لا تمثل إلا أدوارا صغيرة؟
فسعل سعلة غليظة، وقال: قسمتي! ... حظ أعرج يطاردني، ولولا شهامة أبيك، لاضطررت للبيات في المراحيض العمومية.
فقالت له أمي: لا ترعب الأستاذ بكلامك يا طارق.
فقال ضاحكا: على المؤلف أن يعرف كل شيء، والشر خاصة، فمن الشر ينبع المسرح.
فقلت بحماس بريء: ولكن الخير ينتصر دائما.
فقال ساخرا: هو كذلك في المسرح. •••
ثمة تغير مبهم يزحف بهدوء وحذر كالليل؛ ليس الصمت هو الصمت، ولا الكلام هو الكلام، ولا أبي هو أبي، ولا أمي هي أمي. أجل، لم تكن الحياة تخلو من اختلاف أو نقار، ولكنها كانت تمضي في إطار معاشرة طيبة. ما هذا الغامض الخفي الذي تسلل بينهما؟ كانت لها إشراقة دائمة، فتلاشت، وكان يعيش خارج ذاته في قهقهات وسخريات وملاطفات، فانطوى على ذاته. علاقة أمي بي إلى الحنان القديم - اتسمت بأسى لم تفلح في مداراته، أما أبي فأهملني تماما. تسرب إلى جنبات نفسي قلق وتوقعات مجهولة غير سارة. وفي مجلس الشاي قبيل الذهاب، سمعت طارق يقول لهما مرة: لا تستسلما للشيطان.
Неизвестная страница