Идеи и люди: история западной мысли

Махмуд Махмуд d. 1450 AH
76

Идеи и люди: история западной мысли

أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي

Жанры

وكان يظن في وقت ما أن روجر بيكون كان شخصية فذة في تفكير العصور الوسطى. غير أن البحوث التي قام بها رجال من أمثال ك.ه. هاسكنز، ولين ثورندايك، وجورج سارتون، ألقت مرة أخرى الضوء على عمل أجيال من العلماء الصابرين في العصور الوسطى، من الباحثين المنكبين على ترجمة البحوث العربية في الرياضيات أو الفلك إلى الكيماويين الذين، وإن كانوا في الحق يرمون إلى هدف لا يتفق والأغراض الصحيحة للعلم الحديث، إلا أنهم كانوا برغم ذلك ينشئون في داخل مجموعتهم الفريدة البدايات الحقيقية لتعرف الكيميا. والكيميا القديمة كانت بحثا غير منظم، إن لم يكن مظلما، ولكنه أمسى علما من العلوم. ومن هوامش العلوم أيضا في العصور الوسطى الصيد بالباز، وهي معرفة أقيمت لتحسين طرق هذا الضرب الأرستقراطي من الصيد، ولكنها أدت إلى جانب كبير من البحث الدقيق المنهجي في أحد الميادين التي خاضها علماء الطيور فيما بعد.

وتؤدي بنا معرفة الصيد بالباز إلى مواجهة إحدى الحقائق الكبرى عن نمو العلم الحديث، وهي حقيقة كثيرا ما غفلنا عنها في هذه الأيام؛ فقد ألفنا - وبخاصة منذ الحرب الأخيرة - الظن بأن العلم البحت هو منبع، أو أصل، التغير التكنولوجي الحقيقي. إننا نتفق على أن الخبرة الصناعية الأمريكية كانت ضرورية لإنتاج القنبلة الذرية، ولكنا مع ذلك نرفع من شأن علماء الطبيعة النظريين في إنتاج القنبلة. والموقف - من الوجهة التاريخية - معكوس في العصور الوسطى وفي أوائل العصور الحديثة؛ فقد كان العلماء النظريون هم التابعين، الذين يسيرون في إثر العمال العمليين، وأصحاب الحرف، وأصحاب المهن، ورجال الصناعة الناشئين، وأصحاب الضياع الذين يبذلون الجهد في سبيل تحسين تربية الماشية. لا ينبغي لنا بطبيعة الحال أن ننظر إلى العلاقة بين العلم البحت والحاجات العملية كأنها تلك العلاقة المحيرة بين البيضة والكتكوت. فإن أحدهما يبعث على الآخر في كل حين. والمهم هو أن التكنولوجيا (أو الجانب العملي) في العصور القديمة كانت تبعث في كل خطوة تقريبا على العلم البحت. أما اليوم فالعلم البحت يمكن أن يغذي نفسه وأن يتقدم بنفسه دون أن يكون لا تراكميا، وبغير الرجوع دائما - مع ذلك - إلى التكنولوجيين.

ولو أردنا سرد الاختراعات والتحسينات التي تمت في العصور الوسطى لكانت القائمة طويلة جدا، ويمثل هذه المخترعات أحسن تمثيل اختراع قديم من إنتاج العصور المظلمة، وأقصد به رباطا للرقبة خاصا بالحصان. وهي حيلة بسيطة، ولكنها لم تكن معروفة للإغريق والرومان؛ فباستعمال هذا الرباط الطري الذي ينزلق على رأس الحصان، كان من الممكن استخدام قوة الجذب التي لدى الحصان بأسرها دون إجهاد قصبته الهوائية . وكذلك استعمال الأنجلو ساكسون في بريطانيا محراثا أفضل من المحراث الذي كان يستخدمه أسلافهم من البريطانيين الرومانيين، فأمكنهم بذلك لأول مرة أن يحرثوا الأرض الخصبة الغنية في الوديان. وإلى الرهبان الذين اشتغلوا بقطع الغابات وتجفيف المستنقعات يرجع الفضل في كثير من أسباب التقدم الفني. كما مهد صناع المعادن الطريق للدراسة الرسمية لعلوم التعدين والفلزات. وكذلك تحسنت على أيدي الأوروبيين صناعة الورق التي أخذوها عن الشرق بفضل العرب. ولما حل القرن الخامس عشر كان من الممكن صناعة الورق الصحيح من الخرق والكتان بثمن بخس. فلما اخترعت الطباعة في القرن الأخير من القرون الوسطى (أو لما أخذت أوروبا الطباعة من الصينيين) سرعان ما أمست الكتب المطبوعة رخيصة، أو أرخص على الأقل وأكثر عددا مما كانت المخطوطات اليدوية في أي وقت سبق.

وليس من شك في أن الكتب المطبوعة لا غنى عنها للعلم الحديث. ولكن العلاقة بين هؤلاء الصناع في العصور الوسطى والعلم الحديث ربما كانت أوضح في صناعة الساعات. إن قياس الزمن قياسا دقيقا ضروري لأي عالم من علماء الطبيعة. ولا جدال في أن الإسكندريين كانوا يستخدمون لأغراضهم مقاييس للزمن تفي بالمطلوب. وقد عادت العصور المظلمة كلية إلى المزولة والساعة المائية، ولما حل القرن الثالث عشر أضحت صناعة الساعات حرفة معروفة، وقد نهضت بإنتاجها حتى أمست الساعات، والدقائق، والثواني في القرن الرابع عشر ممكنة القياس. وازينت أخيرا بعض الكنائس وقاعات المدن بالساعات المعقدة؛ ساعات تترنح فيها بعض الأشكال الصغيرة وتدق الساعات التي تدل على الزمن، وساعات تبين أوقات السنة، وغيرها. وكان العمال الذين يصنعون هذه الآلات المعقدة هم الأسلاف الحقيقيين للعمال الدقيقين في العصر الحديث.

وربما كانت البوصلة من بين الصناعات الدقيقة في ذلك الوقت أوسعها انتشارا. وليس من شك في أنها كانت تستخدم قبل قيام كولمبس برحلته البحرية بنحو قرن، وهي رحلة ربما لم يكن بوسعه أن ينجزها لولا هذه الآلة الدقيقة. ولكني لست أرى جدوى من سياق المثال في أثر المثال؛ فالنقطة الهامة لمؤرخ الفكر هي أنا نجد في العصور الوسطى منذ القرن الثالث عشر - أي منذ الازدهار الكامل للمدرسية التي يقال لنا عنها أحيانا أنها طرف النقيض للاتجاه الحديث - روح العمل المادي، والرغبة في تجربة الطرائق الجديدة، والشغف بالسيطرة على الطبيعة. أي إننا نجد - في عبارة موجزة - الأرض التي منها نبت العلم الحديث.

ثقافة العصور الوسطى

لقد أكدت من قبل - وربما كنت مبالغا في تأكيدي - أن العصور الوسطى لم تكن مجرد فجوة بين قمتين من الثقافة الإغريقية الرومانية من ناحية وثقافتنا من ناحية أخرى. إنما كانت العصور الوسطى فترة من فترات الازدهار في ثقافتنا الغربية لها قيمتها الذاتية، مرتبطة بما سبقها وما لحقها، ولكنها مع ذلك كل يستطيع مؤرخ الحضارة أن يحاول فهمه ووصفه. ولم تكن هذه الفترة أكثر استقرارا من أية فترة أخرى، ولم تكن البتة بسيطة، ومن سوء الحظ أن المرء لا يجد مفرا من أن يصدر بشأنها أحكاما عامة انطباعية وهي كل ما يستطيع العقل البشري أن يلم به في مثل هذه الأمور.

واللفظة التي ينتهي إليها المرء دائما إن عاجلا أو آجلا عند البحث في العصور الوسطى هي «الوحدة». في تلك السنوات كانت ثقافتنا الغربية في الواقع واحدة، عندما كان هناك مجتمع مسيحي واحد، يرتبط فيه الروحاني بالدنيوي بصورة لا تتجزأ، حيث لا توجد مذاهب دينية معارضة، أو قوميات متنافسة. ويتضح من الفصل السابق أن هذا الوصف للثقافة الوسيطة ينطبق على وجه العموم على الحضارة المتنوعة نظريا أكثر مما ينطبق عليها من الناحية العملية. والتصريح بوحدة المسيحية هذه من الناحية النظرية من الحقائق التي تهمنا عند محاولة فهم العصور الوسطى؛ فنحن نعرف على الأقل ما كان يريده رجال الفكر. ومن المحتمل أن تحد وحدة المسيحية الغربية المزعومة - إلى درجة ما - من الانقسامات والمنازعات التي امتلأت بها الحياة في العصور الوسطى عندما بلغت أوجها في القرن الثالث عشر.

ومن المؤكد أنه كان هناك تنوع خصب داخل هذه الحدود. ويحب العاشق الصادق للعصور الوسطى أن يعتقد أن الناس لاتفاقهم في الأساسيات - أساسيات النظرة المسيحية إلى الكون - يستطيعون أن يهضموا تلك الفروق المحلية الخلابة التي تجعل العصور الوسطى جذابة للمحدثين الذين يملون النظم الموحدة في حضارة آلية على نطاق واسع. وفي هذا لا يسعنا إلا أن نقول إننا لسنا على دراية كافية بعلم الاجتماع كي نحكم إذا كان المبدأ الأساسي الذي تتضمنه هذه العبارة صادقا أو غير صادق - وأعني بالعبارة أن الاتفاق المزعوم على المبادئ الدينية يسمح للأفراد بحرية التنوع الفردي في مجال فسيح. إننا في الواقع لا نستطيع أن نكون على ثقة من أن المقارنة بين التوحيد الحديث والتنوع الوسيط مقارنة صحيحة تعبر عن حقائق واقعة دقيقة.

ومن الحق أن الناس في فرنسا الوسيطة - على سبيل المثال - الذين كانوا يقطنون أودية متجاورة ربما كانت لهم لهجات تبلغ من الخلاف فيما بينها حدا يستحيل معه التفاهم المتبادل، وأن الناس جميعا في فرنسا الحديثة في نفس هذه الأودية يتكلمون الفرنسية الصحيحة مع فروق يسيرة على أكثر تقدير في النبرات. وربما كان لكل واد في فرنسا الوسيطة نظامه الخاص في الأوزان والمقاييس، في حين أن هذه الأودية تستخدم اليوم مقياسا واحدا مقننا يعتبر مثالا طيبا للتقنين، وأعني به النظام العشري، ومع ذلك فإن التنوع يوجد اليوم كذلك، بالرغم من إنذار المثقفين لنا الذين يعلنون أننا جميعا سوف ندفع بالوسائل الشمولية الحديثة بحيث نصبح أنماطا موحدة، وأننا قد أمسينا بالفعل أناسا آليين أو نماذج على صورة واحدة. وربما كان مدى التنوع في الشخصية والمزاج أوسع - في الواقع - في المجتمع الحديث منه في العصور الوسطى؛ فالكائنات البشرية تصر على التنوع ما دامت فرصة الاختيار تتاح لهم. والواقع أن الثقافة الحديثة - إن كانت قد ضيقت فرصة الاختيار في اللهجات والمقاييس، وفي أمور مادية كثيرة أخرى - إلا أنها ضاعفت الفرصة بذلك التنوع الفذ في الأشياء والخدمات التي تيسر لنا، وكذلك التنوع في «الأهداف» (وإن كان فلاسفتنا لا يتفقون جميعا في هذا الرأي) وفي أشكال الحياة الطيبة.

Неизвестная страница