Идеи и люди: история западной мысли
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
Жанры
ذلك لأن الرواقيين كانوا قد توصلوا إلى نوع من العالمية الأرستقراطية التي تؤكد ما عند الناس من قدر مشترك يقابل ما بينهم من خلاف ظاهر، وما يلاحظه الرجل العادي، غير الحكيم - كما يرى الرواقيون - هو المظهر المختلف في هذه الدنيا وسكانها من بني آدم. أما ما يلاحظه الرواقي الحكيم فهو الوحدة الكامنة في كل خلق الله. إنه يرى الدائم، ولا يرى المؤقت أو العارض. والطبيعة تخدع غير الحكيم فتحمله على الظن بأنها متغيرة، متقلبة ، متعددة الجوانب، والطبيعة في الواقع عند أولئك الذين يستطيعون التغلغل في أسرارها، منتظمة، مرتبة، موحدة، لا تناقض فيها. ويرى الفيلسوف الرواقي أن «قانون الشعوب »، وهو القانون الدولي الشائع بين كثير من الأمم أقرب إلى الطبيعي من القوانين المنفصلة المتعددة، ومن نظم المدن، والقبائل، والأمم، وقد أمسى «قانون الشعوب» عند الطبقات الحاكمة في العالم الروماني، الذين نشئوا على دراسة القانون والأفكار الرواقية على السواء، نمطا معينا ل «القانون الطبيعي»، ولكنه لم يتحقق قط تحقيقا كاملا.
وجدير بنا ألا نغفل أن العام، والعالمي، و«الطبيعي» الذي ينشده رجل القانون أو الفيلسوف لا يعني بالضبط ما يعنيه أكثرنا ب «المتوسط» أو «الأكثر شيوعا». وكثير من النقاد المعادين لرجال القانون والفلاسفة زعموا أن فكرتهم العليا عن الطبيعي هي التوسط المميت، أو النقطة المتوسطة التي لا تثير الشعور في الخط البياني المنحني الذي يمثل انتظام الترداد في أمر من الأمور. وهم بالتأكيد لم يسووا بين «العالمي» و«المتوسط». ولم يكن العالمي عند رجل القانون هو أكثر الأعمال القضائية شيوعا، وإنما كان ذلك الذي يستطيع أن يميزه عقله على أنه المبادئ الخفية التي توحد جميع النظم القضائية. لم يكن المثل الأعلى عند الرواقي هو سلوك الرجل المتوسط، رجل الشارع، كلا لم يكن ذلك، وما كان أبعده عن هذا، وإنما مثله الأعلى قواعد السلوك التي تستخلص من الاتصال الطويل بحكمة الأجيال. «الطبيعي» في القانون الطبيعي «ليس ما هو كائن، وإنما ما ينبغي أن يكون» ولكنه يستند إلى نوع من أنواع «الكينونة» - وتلك هي «كينونة الإيمان».
الطبيعي أمر «ينبغي أن يكون»، وهو أمر نعلم من التاريخ أنه استهوى على الأقل المواطنين المتعلمين من الأصول الجنسية المتنوعة - من بريتون، وغال، وإسبان، وإغريق، ورومان، ومصريين، وسوريين. القانون الطبيعي - أو ما يظهر أنه أقرب تجسيد دنيوي له، وهو القانون الروماني المتطور في أروع نظام له - وضع لجميع الناس، لا كما كان القانون اليهودي أو الأثيني. ولم يكن القانون الروماني ملكا لقبيلة وحدها دون سواها. كما أن هذا القانون الطبيعي - من ناحية أخرى - لم يكن مجرد مجموعة من القواعد العملية التي يقصد منها أن يبقى كل شيء على ما هو عليه. إنما كان هو الآخر مجموعة من المثل، قانونا أعلى، محاولة لإنزال العدالة من السماء إلى الأرض. كان القانون الطبيعي - وهو ثمرة من ثمار القانون الروماني والفلسفة الإغريقية - من أكثر الأفكار المجردة أهمية في المجتمع الغربي. وسوف نلتقي به مرة أخرى، وبخاصة في القرون الوسطى، وفي القرن الثامن عشر، وسوف نلتقي أيضا عند ختام هذا الكتاب بمفكرين محدثين من غير العقليين يرون أن فكرة كهذه - فكرة القانون الطبيعي - كلام فارغ ليس له معنى، أو هو على أحسن الفروض محاولة لإخفاء حقيقة أن المجتمعات البشرية تحكمها دائما جماعة صغيرة لها امتيازات. ونستطيع هنا أن نتخلى عن مشكلة أهمية الأفكار المجردة كفكرة القانون الطبيعي في العلاقات الإنسانية، ونكتفي بالتنويه عن أن الفكرة الإغريقية الرومانية عن القانون الطبيعي كانت ك «مثل أعلى» فكرة عن الوحدة بين جميع البشر، فكرة ديمقراطية في أساسها.
الفصل الخامس
مذهب المسيحية
لا يستطيع أحد في العالم الغربي أن يفر من المسيحية فرارا كاملا، حتى أولئك الذين يعارضون ما يسمونه الديانة المسيحية لا مناص لهم من التأثر بما يعارضون فيه؛ ذلك لأن المسيحية قد لونت تفكير ومشاعر ما يقرب من سبعين جيلا من الرجال والنساء في الغرب، كما أنها سرت في القرون القلائل الأخيرة عن طريق المبشرين مع امتداد المجتمع الغربي في جميع أنحاء العالم. وقد برهنت المسيحية في الألفي العام التي عاشتها أنها قادرة - كأسلوب من أساليب العيش - على الانتشار والتنوع بدرجة لا يكاد يتصورها العقل. وظهرت بأشكال مختلفة في ثنايا كل ناحية من نواحي النشاط عند الإنسان في الغرب. «الانتشار والتنوع»، «بأشكال مختلفة» - هذه العبارات البسيطة الواضحة تسوقنا تجاه مشكلة التقينا بها من قبل عندما كنا نناقش عقائد اليهود الدينية، المسيحية ديانة «وحي» إلهها كامل، وهو يسمو عن الصور البشرية للزمان والمكان، بل ويسمو عن العملية التاريخية ذاتها. ولكن المسيحية هي كذلك ديانة تهتم كثيرا بسلوك الإنسان فوق هذه الأرض، وبرسالتها في الزمن التاريخي، وبالرغم من أن علماءها الدينيين قد جاهدوا جهادا شاقا حقا لكي يجعلوها ديانة فردية، إلا أنها ثنائية من بعض النواحي؛ فهي تعترف بوجود (أو بواقعية) الطبيعي وما فوق الطبيعي، أو بوجود الروح والجسد، أو الروحاني والمادي. والمشاهد من الخارج يرى أن المسيحية قد أظهرت قدرة فائقة ومقدرة على التكيف عندما واءمت بين نفسها وبين العالم الطبيعي، دون أن تفقد تحكمها في فكرة العالم الذي يقع فوق الطبيعة.
وسوف أحاول في هذا الكتاب أن أدرس المسيحية من الخارج، من الموقف الذي ينكر «وجود» ما فوق الطبيعي، وإن كان - بطبيعة الحال - لا ينكر أن البشرية في واقع الأمر تتطلع إلى ما فوق الطبيعة. وكثيرا ما شرحت المسيحية - وخاصة منذ عصر التنوير في القرن الثامن عشر - من وجهة نظر طبيعية تماما، وكان يقوم بهذا الشرح أحيانا رجال يسمون أنفسهم مسيحيين. وأكثر من ذلك أن هؤلاء الذين كتبوا في المسيحية، وأنكروا الوجود الحقيقي لما فوق الطبيعي، كانوا خصوما للمسيحية كديانة منظمة؛ أي كانوا - في الواقع - ضد المسيحية، وكثيرا ما كانوا ماديين أو وضعيين بالعقيدة. وهناك آخرون كتبوا عن المسيحية باهتمام شديد وخيال بعيد، لما فيها من جمال، أو أعجبوا بأخلاقها، وإن لم تعجبهم أصولها الدينية. كتبوا ذلك وإن لم يكن بوسعهم قبول العنصر فوق الطبيعي في العقيدة المسيحية، والواقع أن سلوك الكتاب الذين نبذوا المسيحية دليل واضح على أنه ليس من غربي يستطيع أن يفر فرارا كاملا من تأثيرها.
وسوف أحاول في هذا الكتاب أن أتحاشى أخطاء الكتاب غير المسيحيين الذين كتبوا في المسيحية، ولكن ليس هناك من قارئ مسيحي يتسرب إلى قلبه الشك لحظة؛ فإن لب الإيمان بالمسيحية، واعتقاد وجود ما فوق الطبيعة، وما هو سماوي، وما إلى ذلك، يقي المؤمن ضد الهجمات الطبيعية والتاريخية، وليس ذلك فحسب «ولكنه يتضمن أيضا نبذ التفسير الطبيعي والتاريخي». حصل مرة قسيس إنجليزي من المؤمنين بالعقل من مذبح إحدى الكنائس الكبرى خبزا مقدسا، ونبيذا مقدسا، تحولا بالتقديس إلى لحم الرب ودمه، فقدم الخبز والنبيذ إلى كيموي، ونشر تقريرا من هذا الكيموي بأن الخبز خبز والنبيذ نبيذ، ولكنه بذلك لم يهدم مركز الكنيسة البتة؛ فإن الكيمياء التي تختص كلية بالوقائع والنظريات في الطبيعة، وبالعمليات الطبيعية، ليس لديها ما تقول عن أي شيء يخرج عن نطاق هذه العمليات الطبيعية.
نمو المسيحية الأولى
العهد الجديد هو قصة حياة يسوع المسيح، وموته، وبعثه، وقصة المشاق والصعاب التي لاقتها الأجيال الأولى من المبشرين بالإيمان الجديد الذي يسمى بالمسيحية. ويعتقد المسيحي أن هذه القصة من وحي سماوي، وأن صدقها النهائي لا يخضع للتفسير التاريخي. غير أن الباحثين - برغم هذا - في القرون القلائل الماضية أخضعوا في الواقع نصوص العهد الجديد - كما فعلوا بالعهد القديم تماما - لنفس نوع الدراسة اللغوية والتاريخية الصارمة التي استخدموها في النصوص التي لم تعد وحيا أو مقدسة بأي معنى من المعاني، وما أسماه ألبرت شويتزر ب «البحث عن يسوع في التاريخ» استمر لعدة أجيال، وانتهى إلى نتائج غريبة. ولعل أغرب هذه النتائج ما استنتجته إحدى المدارس من أنه لم يكن هناك يسوع في التاريخ، وأن الشخص المسيحي الذي يمثل يسوع أسطوري، أو على الأصح مركب من عدة أساطير متنوعة. ومن العدالة أن نذكر أن مثل هذا الشك حتى في دنيا العلم يعد غاية في التطرف.
Неизвестная страница