Идеи и люди: история западной мысли
أفكار ورجال: قصة الفكر الغربي
Жанры
وامتزجت الصعاب السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العقل اليوناني وكونت أزمة القرن الرابع. وتبدو هذه الأزمة - من الناحية العقلية - ثورة على العقائد القديمة، والأخلاق القديمة في المدينة الحكومية، وأساليب «الرجال الذين خاضوا معركة ماراتون». وهي تبدو في أعمال رجال مختلفين كأرستوفان، الذي ود لو فر من الموقف بالعودة إلى الأيام القديمة الطيبة، وأفلاطون الذي ود لو فر إلى المستقبل في مدينة فاضلة. وهي تبدو في بحث سقراط عن الروح، وفي سخرية السفسطائيين الثابتة. ثم إن لها طابعا حديثا جدا. ويستطيع المرء أن يتصور أن علماء التحليل النفساني كان من الممكن أن يلقوا عند الناس قبولا خلال هذه الفترة العصيبة في حياة الإغريق.
إن الأرستقراطي من كورسيريا الذي نجا بمعجزة من الفتك الذي وصفه ثيوسيديد لا يستطيع أن يجد العزاء لفقده كل شيء وكل عزيز لديه بتفكيره في الحياة الطيبة التي تسير وفقا للوسط الذهبي «ولا تبالغ في شيء»، وقد مر بالفعل بموقف فيه كثير من المبالغة. وما حدث في كورسيريا كان يحدث في كل أنحاء العالم الإغريقي. وربما احتفظت قلة من الطبقات المثقفة، ذات عزم وتصميم، بالمعايير الخلقية والجمالية للثقافة العظمى. ولكن حتى هؤلاء كان لا بد لهم من موقف صلب ومن تجميد أسلوب حياتهم في النظام الرواقي المتشائم الواعي بنفسه.
أو خذ صبيا عاديا من الطبقة الوسطى في أثينا؛ صبيا محدود القدرة فيما يتعلق بالألفاظ، واعرض عليه دقائق سقراط، وتبادل الأفكار تبادلا حيا؛ ذلك التبادل الذي نعلم أنه كان شائعا في أثينا في ذلك الحين، ليس من شك في أن مثل هذا الصبي سوف ينتهي إلى أن الحكايات القديمة عن الآلهة التي تعلمها في حداثته ليست صادقة. وليس من المحتمل أن يساير سقراط أو أفلاطون حتى يرتفع إلى وحدانية خلقية رفيعة، بل الأرجح أن ينتهي إلى الاضطراب والشك، أو إلى نوع من السخرية الرخيصة لسنا نجهلها في جيلنا هذا. ومهما يكن من أمر، فهو ليس بالرجل الذي يصلح للقيام بما يفرضه عليه نظام الحكم والثقافة في أثينا.
واذا أنت ضاعفت من مثل هذه الحالات، وأضفت إليها كثيرا، من اللاجئين، والمحاربين العاجزين، وأولئك الذين فقدوا أملاكهم أو تجارتهم، من الظافرين والمهزومين على السواء. إذا أنت فعلت ذلك كانت لديك المادة البشرية التي كان السخط العقلي في ذلك الحين يفعل فيها فعله. وينبغي هنا أيضا أن نتجنب المبالغة. كم من إغريقي في وقت الأزمة احتفظ بإيمانه بالآلهة، وبالمدينة الحكومية، وبأسلوب العيش الذي تعلمه من هومر، ومن أبويه، ومن الناس الذين خالطهم في السوق وقاعة المجلس والجيش . إن أساليب العيش، والمعتقدات، والعادات، قلما تموت موتا كاملا فوق هذه الأرض. ولكن المتاعب الجديدة قد أخلت بالتوازن بين القديم والحديث، واقتلعت الكوارث من الأساليب القديمة لبها. وأحس المبتكرون والأذكياء خاصة بأنهم مسوقون إلى نبذ القديم، كما أحس كثير من الفرنسيين بعد الهزيمة في عام 1940م أنهم مسوقون إلى نبذ الجمهورية الثالثة.
وبالنسبة إلى المتعلمين كانت الأزمة - إذا صورناها في شيء من التجريد - هي الانحلال النسبي في الروابط التي كانت تصل بعضهم ببعض في المدينة الحكومية، والاتساع النسبي في المجالات التي بات حتما عليهم أن يتصرفوا فيها بأنفسهم، وذلك هو النظام المعروف في الحياة الإغريقية الذي تحطم من أثر الفردية المتزايدة. والأفراد إذا تركوا وشأنهم يسلكون مسالك مختلفة، وإن تكن أهدافهم عالمية - كالثراء، والمتعة، والسلطان، وكل ذلك بروح المنافسة القوية التي كان يتميز بها الإغريق دائما، وهذه المنافسة المهلكة كانت محتملة من القلة الناجحة، بل وكانوا يرحبون بها. وأما للفاشلين فقد جعلت الحياة شيئا لا يكاد يحتمل.
ولم تنج الجماهير الغفيرة من هذه الأزمة؛ فقد حملوا عبء الكوارث التي حاقت بهم في أوقات الضيق. ولم تمدهم الديانة التقليدية في المدينة الحكومية - كما رأينا - إلا بجانب يسير من العزاء عن شرور هذه الحياة، وأمل ضعيف في حياة أخرى. والراجح أنهم لم يجابهوا المشكلات الفكرية المعقدة التي جابهتها الطبقة العليا، غير أن مجرد شيوع الحرب الطبقية ليدل على أنهم فقدوا الثقة بالطبقات الحاكمة.
ولنلخص الموضوع في إيجاز، وفي صورة محسوسة بالنسبة إلى المدينة الواحدة: كانت آثنا - إلهة أثينا - بالنسبة إلى الأثينيين كالكنيسة والدولة «معا» بالنسبة إلينا. كانت آثنا بمثابة واشنطن، ولنكولن، والقوة السماوية التي تتحكم في حياتنا، في آن واحد. ولكن آثنا أخفقت في الأمرين معا لما حل عام 400 قبل الميلاد؛ فهي لم تمنع عن مدينتها الهزيمة، ولم تبق على أثينا مدينة رزينة يصدر عنها النور. ومن المؤكد أن كلمات بركليز لم تعد تصدق عليها في هزيمتها، وذلك حينما قال: «ليست هناك في الوقت الحاضر مدينة غيرها تقابل محنتها بعظمة لم يحلم بها إنسان، وليست هناك مدينة غيرها بلغت من القوة ما يجعل الغازي لا يحس بالمرارة لما يكابد على يديها، وما يجعل رعيتها لا تشعر بالعار من اعتمادها على غيرها».
لم تعد آثنا كافية، ولم يعد الاعتدال، والتوسط، والوقار، وتربية الشهوات الطبيعية وإشباعها بالعقل والحكمة، و«الابتعاد عن التطرف»، وكل قائمة الفضائل الأبولية - لم يعد كل ذلك يكفي، بل ولم يعد ممكنا في هذه السنوات القلاقل الأخيرة. ولا بد للناس من البحث عن الهداية في مكان آخر - مكان بعيد جدا في نهاية الأمر - لا بد من التطلع إلى جزء من الأرض المعرفة به ضئيلة، وهو جزء مما كان يعرف عند الإغريق دائما بالشرق المتبربر - لا بد من التطلع إلى الأرض التي اغتصبت من فلسطين والتي يطلق عليها اليوم مرة أخرى اسم «إسرائيل المزعومة».
الفصل الرابع
عالم واحد: الثقافة الكلاسيكية المتأخرة
Неизвестная страница