ولما افترقنا استأجرت أوتوموبيلا وجئت إليك.
فتنهد يوسف الصعداء، وقال: والآن هل تبرين بوعدك لجورجي؟ - لقد انتهت مهمتي يا يوسف؛ لأني لست باحثة عن هيفاء، فدع الباحثين عنها يبحثون حتى يجدوها. - إذن لا تذهبين إلى جورجي؟ - بل أذهب إليه وأقول له: إن يوسف لم يقل لي أين الفتاة، ولا أكون كاذبة إذا قلت له كذلك، فهل قلت لي يا يوسف؟ - وهل تريدين أن تعرفي أين هيفاء؟ - لا. - الآن أعجب بكبريائك يا ليلى.
ثم افترقا جسدين لا روحين.
هي تعد وهو يفي
في ذلك الحين كان جورجي آجيوس في غرفته، وهو يفكر في ماذا تكون نتيجة ثقته بليلى، فخطر له الظن السيئ أولا، وقال بنفسه: «هب أن البوليس درى بالحادثة، فأنا أنكر ولا شاهد علي إلا ليلى وحدها وشهادة واحد لا تكفي، وفي وسعي نفيها بدعوى أن ما تدعيه من ثقتي بها غير معقول، أما جميل مرمور وحوذي فهيم، فلا يجسران أن يشهدا؛ لأنهما شريكان في الجريمة، وهب أنهما أمسكا وأقرا فألجأ إلى قنصليتي، وهناك أسعى بتخفيف عقابي، وجل ما تفعله القنصلية أنها تنفيني، وأنا مشتاق إلى أثينا، فإذا ذهبت إليها بألف وخمسمائة جنيه أعيش أميرا، ثم يحتمل أن هذه الفتاة تبر بوعدها؛ لأنها عاشقة ليوسف على ما أرى والعشق أساس الفضيلة أحيانا، فإذا صدق ظني وصدقت ثقتها وصدق وعدها، عرفت أين هيفاء فأدل عليها وآخذ ألفا وخمسمائة جنيه أخرى، وإن خاب فألي هذا فما أنا خاسر؛ ولذلك لا أندم على كل ما فعلت، وماذا يهمني أن يتهمني جميل مرمور بالخيانة، وهو لم يقيدني بقيد؟ حسبي ما نلت من الجزاء على أسر ذلك الفتى الساذج وحسب ذلك الفتى وجلا، وما الفائدة من التهويل عليه وهو مصر على الإنكار، وقد يعرف مقر الفتاة عن غير يدي؛ لأنه يبحث عنها غير واحد، إذن أنا فعلت حسنا بتسليم المفتاح للفتاة ليلى، فما أنا نادم، لست نادما، كفى هذا الفتى المسكين خوفا.»
وفيما هو مستغرق في هذا التفكير قرع بابه فقال: لقد صدق ظني، هذه ليلى لا محالة.
فنهض وفتح الباب وبغت إذ رأى يوسف داخلا، فابتسم له قائلا: أهلا بيوسف الصديق الحميم إني منتظرك. - تنتظرني أم تنتظر ليلى؟ - بل أنتظرك أنت. - ولكن الميعاد ليس بيني وبينك، بل بينك وبين ليلى وأنت تعلم أنك سجنتني. - وهل تظنني غبيا لا أعلم ماذا تكون نتيجة تسليم المفتاح لليلى؟ لهذا قلت: إني أنتظرك أنت لا ليلى. - ولكن كيف وثقت هذه الثقة بليلى؟ - لأني وددت إطلاق سراحك. - لماذا لم تطلق سراحي أنت ليكون كل الفضل لك؟ - لأن لي شروطا لم أقدر أن أقنعك بالتعهد بها، ولكني استطعت إقناع ليلى فتعهدت بها. - وكيف تثق أن ليلى تبر بوعدها؟ - وثقت لأني علمت أنها تحبك، والتي تحبك لا تستطيع أن تحنث بيمينها، ولا سيما إذا أقسمت بك . - وهب أنها حنثت بيمينها. - لا أصدق. - ولكن هب أنها لم تستطع أن تعلم مني شيئا عن هيفاء. - يستحيل عليك أن تكتم الأمر عنها إذا سألتك. - ولكني لم أقل لها؛ لأني لست مقيدا معها بشرط، بل هي مقيدة معك والشرط الذي بينكما لا يطلق علي. - إذن لا تطلق ليلى سراحك ولا تبوح بأمرك؛ لأنها تعهدت لي بذلك، فإذا كانت قد أطلقت سراحك من غير أن تستعلم منك عن هيفاء فهي خائنة.
فامتعض يوسف لهذا الجواب المؤلم، وقال: ليلى لا توصف بهذا الوصف. - إذن علمت منك عن مقر هيفاء وستقول لي لا محالة. - ولكنها لم تسألني ولم تشأ أن أقول لها. - عجيب أمرها كان يجب أن تسألك وأن تقول لها، أو أن لا تطلق سراحك وإلا فهي خائنة.
فأفحم يوسف هذا الجواب وفكر هنيهة وقال: ألا تريد أن تتنازل عن شرطك هذا؟ - كلا كلا. - إذن أنا أبر بوعد ليلى حتى لا تكون خائنة. - حسن جدا فأين هيفاء؟ - ماذا تفعل متى علمت؟ - أدل عليها أمها فتذهب وتأخذها إليها، ثم أقبض الألف والخمسمائة الجنيه الأخرى. - وهل تتعهد لي بعد ذلك ألا يرغم أحد هيفاء على الزواج من ذلك الزنيم؟ - لست ملزما أن أتعهد بشرط.
ففكر يوسف هنيهة، فقاطع جورجي تفكيره قائلا: ما بالك غبيا هكذا؟ ماذا يضرك أن أكسب ألفا وخمسمائة جنيه من غير أن يصاب أحد بأذى؟ - لا يضرني، ولكن كيف ذلك؟ - أقول لك كيف ذلك إذا تعهدت لي بأمر بسيط، وهو ألا تخبر أحدا غيري عن مقر الفتاة. - هب أني تعهدت، فماذا تفعل؟ - متى عرفت مقر الفتاة أخبر أمها فتأخذها إليها، وفي الحال أقبض الألف والخمسمائة الجنيه، وعلى الأثر أخبر فريقا آخر يبحث عن الفتاة لا بد أن تكون ليلى قد أخبرتك عنه، وهذا الفريق يخلص الفتاة. - لا أضمن أن هذا الفريق يستطيع أن يأخذ الفتاة من تلك المرأة، التي تدعي أنها أمها؛ لأن الفتاة لا تزال قاصرة ولا وصي عليها إلا التي ربتها، وقبل استخراجها من تحت وصايتها تكون هذه المرأة الداهية قد زوجتها من ذلك الوغد الزنيم بالحيلة أو التهديد. - ولكن مسألة الفتاة في يد البطركخانة الآن، والبطركخانة تستطيع أن تمنع أي قسيس من أن يكللها. - وهذا الأمر غير مضمون أيضا؛ لأن البطركخانة قد لا تستطيع أن تجد سببا لمنع الإكليل إذا تراضى العروسان، أو قد يلجأ العروسان إلى بطركخانة أخرى. ولهذا لا آمن على الفتاة إذا وقعت في يد تلك الشيطانة ثانية. - بقيت وسيلة أخرى، وهي أن تخطف الفتاة ثانية. - قد لا أنجح في المرة الثانية كما نجحت في المرة الأولى. - أنا أتعهد لك بخطفها. - فابتسم يوسف قائلا: لقد علمتني ألا أركن إليك. - لك حق، فما قولك إذا أعطيتك تحويلا على البنك الذي فيه دراهمي بقيمة ألف وخمسمائة جنيه كضمانة. - حسن، ولكن كيف أعلم أن لك هذه القيمة في البنك؟ - هذا تحويل بيدي على البنك بالقيمة والبنك مصادق على التحويل كما ترى، فالمال لي حتما وليس من يستطيع أن ينازعني فيه. - حسن هات تحويلا باسمي.
Неизвестная страница