فاقشعرت الفتاة وقالت: لم أكن معه إلا لحظة صباحا أمام باب منزله. - وما شغلك معه يا شقية؟ أتنكرين أنه يستغويك؟ - إنك تتهمينني به زورا يا أمي. - اصمتي، هل تنكرين هذه الرسالة التي أعطاك إياها؛ لكي تقرئيها على انفراد، وكلها تحبب وتذلل واستغواء؟
فكادت الفتاة تنكر أن الرسالة لها، ولكنها أمسكت نفسها عن الإنكار؛ لئلا تضطر أن تقول لمن كانت الرسالة، وهو أمر لا تريده ولو شنقت؛ لأنها خافت سوء المغبة على ليلى في حين أن ليلى أمنتها على سرها. - ما بالك صامتة؟! تكلمي، أجيبي. أما هو الذي سطا علينا تلك الليلة غيرة عليك وقد تجاهلت سطوه؟
فبقيت هيفاء صامتة واجفة؛ ولا سيما لأن أمها هولت عليها كل التهويل، وبعد سكوت هنيهة قالت أمها: هل شعرت الآن بغلطك الفظيع في انخداعك بهذا الفتى الأرعن الطائش؟ - تأكدي يا أماه أنه ليس بيني وبين هذا الفتى من علاقة البتة. - وهذه الرسالة؟ - أودعها في يدي وأنا لا أدري ما فيها، فإذا كان هو يتحبب إلي تحببا فما ذنبي أنا؟ - أين كنت كل هذه المدة؟ - قلت لك أمس: إني كنت خادمة في بيت المراني، فإذا لم تصدقي فاسأليهم. - ولماذا قابلت الفتى أمس؟ - بالصدفة قابلته. - اسمعي يا هيفاء، ما مضى قد مضى، فإياك أن تعيديه أو تذكريه أو تدعي أحدا يعلم أنك كنت خادمة عند أحد، أو أنه كانت لهذا الفتى علاقة معك؛ لئلا يعلم فهيم بالأمر فيفسد مشروعي الذي لا أقصد به إلا خيرك.
وجعلت تغريها على قبول فهيم ومحاسنته، وتحببها به حتى أثرت فيها بعض التأثير.
الحية وحواء
في آخر السهرة كان فهيم مجالسا تلك المرأة في غرفة وحدهما، وهما يتكلمان همسا، فقالت: ما معنى هذه المقاطعة يا فهيم؟ - وما معنى زيارتي يا نديمة والفتاة نافرة وقد هربت بسببي؟ - الفتاة صغيرة وجاهلة، وقد عادت من نفسها بعد أن كانت مختبئة عند الراهبات؛ لأنها شعرت بغلطها واليوم أقنعتها فاقتنعت. - اقتنعت؟ - نعم ولكن يجب أن تعدها بالزواج؟ - إنك لغبية وجاهلة، ألا تفهمين أني لا أقدر أن أتزوج؟ - فهمت ذلك؛ لأن لك عدة زوجات غير شرعيات.
فاختلج الرجل قائلا: كيف فهمت ذلك؟
فضحكت نديمة، وقالت: علمت أن لك زوجة في العباسية، وأخرى في الإسماعيلية، وشبه زوجة شرعية في المطرية، فلتكن هيفاء رابعتهن.
فضحك فهيم وقال: كيف عرفت كل ذلك يا شقية؟ - وهل كان لي شغل سوى أن أدرس أحوالك فقد عرفتها، فتزوج هيفاء وليس من يشترط عليك أن تترك الخليلات الثلاث. - متى صرت زوجا وصارت هيفاء زوجتي لا تقولين هذا القول؛ لأن عقد الزواج يكون سلاحا في يدك ضدي. - وإذا كان عقد الزواج مزورا؟
فبهت فهيم، ثم قال: هذا ما لم يخطر لي. - أما أنا فخطر لي أن آتي بثوب قسيس وقلنسوة، وأنت تأتي بأي رجل ذي لحية، فيلبس الثوب والقلنسوة. - الحق أنك داهية، وإذا عرف الأمر بعدئذ؟ - لن يعرف، ومتى صارت الفتاة في منزلك الخاص لا تعود تود الخروج منه، ولو عرفت أن زواجها كان مزورا، ولا سيما إذا بقيت أنا أقرأ النصح على رأسها.
Неизвестная страница