وضمها بكلتا يديه إلى صدره، وما هي إلا لحظة حتى راعه صوت من ورائه يقول له: دع النعجة الطاهرة في طهارتها أيها الذئب الخبيث!
فانتفض فهيم جزعا، ولكنه نهض بكل هدوء والتفت إلى ورائه، فرأى شبحا واقفا في الشرفة عند الشباك، وفي يده مسدس مصوب نحوه من بين مصراعي الشباك المنفتحين قليلا، فارتعدت فرائصه وابتعد عن سرير الفتاة مذعورا، وهو يتوقع دوي الرصاص في الغرفة، وفي الحال خرج منها، واستقبل المرأة عند بابها وقال مرتعبا: من هذا الذي في الشرفة؟ - لا أدري، شعرت بحركة في الشرفة، إنه لص، استصرخ الخفير. - كلا كلا، لا تستصرخي أحدا فليس في الأمر لصوصية بل تهديد.
واندفعت المرأة إلى الغرفة ونظرت في الشرفة، فلم تجد أحدا ولكنها لمحت شبحا يصعد إلى السطح متسلقا على شيء مدلى منه.
ثم شعروا بحركة على السطح، وسمعوا بعض البرابرة الذين يبيتون على السطح يلطون قائلين: ها هو يا خفير قبضنا عليه، خذه إلى القرقول!
فقال فهيم: الأفضل أن نتظاهر بأننا لم نعلم شيئا، ولا شعرنا بشيء ما دام هذا المتطفل قد وقع في يدي الخفير، وغدا نستفهم من البرابرة عن أمره. - حسن رأيك، ولكن تعال قل لي: ماذا رأيت؟
فروى لها فهيم ما رأى وسمع، وقال لها: تعالي قولي لي من هذا ؟ - لا أدري. - لابد أنك تدرين، من هذا الذي يجسر أن يصل إلى هذه الشرفة في آخر الليل، ويتهددني في أهم لحظة كأنه يعلم سر الأمر؟ ألا تعرفين شخصا آخر يحب هيفاء؟ - والله لا أعلم ولا أعتقد أن هناك شخصا آخر يحبها أو يعرفها أو تعرفه. - إنك تمكرين علي. - أقسم لك بشرفي أني لا أعلم. - هل زدتني بهذا القسم تصديقا؟ - ثق أني لا أعرف أحدا يعرف هذه الفتاة هنا في مصر. - إذن من هذا؟ - إني متحيرة مثلك ولا أشك أنه لص، ولما رأى أن من في المنزل لم يزالوا يقظين ادعى القداسة والغيرة على الشرف، ورام أن يشفي غليله منك.
فلم يقتنع فهيم بهذا التعليل، ثم تقدم إلى الفتاة وقال لها: أنت تعلمين هذا الشخص يا هيفاء؟ - لم أره وقد راعني قبلك. - كيف ذلك؟ - سمعت صوته قبيل دخولك علي، ولم أفهم كلامه فجزعت جدا. - عجيب ألا تفهمي كلامه. - لم أفهمه؛ لأنه كان همسا. - لا أصدق. - لا يهمني أن تصدق.
فسكت فهيم، وبعد هنيهة قال: لعلنا غدا نعرف الحقيقة.
عظة في السجن
لما شق الفجر حجاب الظلماء، وكانت أمواج النور القصوى تلاطم الآفاق، كان يوسف براق يتبين في السجن الذي أودع فيه في «قرقول الأزبكية» بضعة أشخاص آخرين مرتمين على الأرض كالغنم في الحظيرة، كان بعضهم يغطون في نومهم كأنهم يتوسدون الوثير في شم القصور، وبعضهم يقظين متململين ويوسف من جملتهم.
Неизвестная страница