وارتمت عليه فتلقاها يوسف بين ذراعيه، وقبل ريشة قبعتها وهو لا ينبس ببنت شفة، وجورجي ينظر متأثرا من هذا المنظر وهو لا يستطيع أن يتكلم، ومن يجسر أن يتكلم في حضرة إله الحب؟!
أول قبلة
بعد سكوت مدة طويلة احتراما لإله الحب مسح جورجي ذوب عواطفه المتدفقة من مقلتيه، وقال بصوت متهدج: ما الذي ساقك إلى هنا يا يوسف؟ - ذهبت إلى غرفتك فوجدت رسالة على مكتبك علمت منها أنك جئت إلى هنا، فأسرعت عسى أن أرى ليلى، فصح فألي.
فالتفت جورجي إلى ليلى وقال: نعود إلى المائة ألف جنيه يا ليلى، كيف ...
فقاطعته ليلى قائلة: لقد تفلت على المائة ألف جنيه؛ لأني تطهرت من أقذار ترابيتي وأصبحت روحانية، وإذا بقيت روحانيتي تتشبث بالماديات فلا تليق للاتحاد بروحانية يوسف.
فضحك جورجي وقال: أما أنا فلا أفهم الروحانيات كثيرا، وما دمت في هذا العالم المادي أظل أهتم بالماديات، فأود أن أعلم حكاية المائة ألف جنيه الدفينة مع صديق الهيزلي؛ لكي أستخلصها منه إذا استطعت، ومن الحمق والجنون أن تتركيها بدعوى أنك روحانية؛ لأن المال لا يحط من مقام الروحانية. - إني غنية بسعادتي النفسانية عن كل مال، والمائة ألف لا تزيدني سعادة. - مهما كنت غنية بسعادتك يا ليلى فهذا المبلغ الكبير إذا كان حلالا لك، فهو لازم لصيانة سعادتك من صروف هذه الحياة الدنيا، فلا تدعي مبادئ يوسف تعديك إلى حد أن تتركي مائة ألف جنيه لشخص حيواني الطبع يتمتع بها.
فنظرت ليلى إلى يوسف كأنها تستفتيه، فهز يوسف كتفيه كأن الأمر لا يعنيه، فقال جورجي: أعوذ بالله من هذه المبادئ الخيالية، إذا كنتما تتفقان على ترك هذا المبلغ لمن ليس له فلا ريب أنكما أحمقان، فقولي لي يا ليلى ماقصة المائة ألف؟ - هي إرث لي من أبي غير الشرعي. - وكيف اتصلت بصديق الهيزلي ؟ - صديق الهيزلي ابن خالي، وقد وجد الوصية بالإرث الذي لي ضمن وصية أبيه له. - وكيف اتصلت الوصية بخالك ولم تكن مع أمك؟
وكانت ليلى تتكلم متلعثمة مزمهرة الوجه من الخجل، فقالت: لما زلت أمي الشقية زلتها سعى خالي لدى أبي غير الشرعي، واستكتبه تلك الوصية لوليد الفتاة التي أغواها واشترط ذلك في الوصية أن تبقى الوصية مكتومة إلى أن يموت، وإلا كانت باطلة، فكتمها خالي في وصيته لابنه، ولما مات خالي اطلع عليها صديق ابنه وحفظها معه، ولم يعلنها لأحد غيري، واشترط ألا يسلمني إياها إلا وأنا زوجته.
فقال يوسف: إذن صديق كان يطمع بالإرث لا بك؟ - نعم؛ ولهذا كنت أبغضه، وإنما طاوعته بالخطبة عسى أن أستحصل على الوصية قبل الزواج، لا تلمني يا يوسف أني أثمت بهذا الاحتيال؛ لأني أتذرع به لتحصيل حق لي لا لسلب حق غيري.
فقال جورجي: فعلت حسنا يا ليلى، فهل لك أن تقولي لي من كان أبوك غير الشرعي؟ - لا أستحي أن أعترف به؛ لأنه في نظر أهل هذا العالم رجل كبير. - من هو؟ - هو الأمير إبراهيم الخزامي.
Неизвестная страница