وقد باعني أبي منذ ست سنوات، وكنت في العاشرة من عمري، لرجل سعودي عجوز، يكبرني بستين عاما. بدأت القصة بأن جاء إلى بيتنا «عم محمود» ابن عم أبي، وقال لأبي: إن الله أرسل إليه رزقا من السماء. ماذا كان هذا الرزق؟ إنه «الشيخ علي»، وهو من أغنياء مكة المكرمة، وقد رآني هذا الشيخ الثري وأنا أحمل صفيحة الماء فوق رأسي، فأعجبه شكلي ويرغب في الزواج بي ومستعد لدفع مهر كبير قدره أربعة آلاف ريال سعودي.
رفع أبي يديه إلى السماء، ثم ركع وسجد لله شكرا على هذا الرزق الذي أرسله إليه. إن أبي فلاح فقير بلا أرض، يتاجر في زبل الحمام وروث البهائم والكسب، وحين يشتد به الفقر يعمل مزارعا بالأجرة. وقد طلق أبي أمي؛ لأنها أنجبت له أربع بنات، وكان يريد ولدا ذكرا ليساعده في التجارة، ويرعى الحمارة التي يتجول بها في القرى والعزب، وتزوج أبي امرأة أخرى أنجبت له ستة عيال، خمس بنات وولدا، وكل صباح أسمعه يلعن البنات وخلف البنات. لكن عم محمود جاءه وقال له: رزق البنات على الله يا حاج مسعود. وأخذ أختي الكبرى خديجة، لتعمل خادمة في الإسكندرية، في بيت موظف كبير متزوج وعنده أولاد، وكل شهر يقبض أبي مرتبها مائة وخمسين جنيها في الشهر.
وكف أبي عن ركوب الحمارة والتجارة، وأرسل أختي الثانية «فاطمة» لتعمل خادمة في شقة مفروشة في الزمالك يملكها رجل سعودي ثري، وكل شهر يقبض أبي مائتي ريال سعودي، وخلع أبي جلبابه الفلاحي وارتدى الجبة والقفطان، وسافر إلى الحج وعاد يرتدي عمامة بيضاء بدل الطاقية، وأصبحت الناس تناديه الحاج مسعود.
وجاء الدور علي، فأنا البنت الثالثة، وجاء عم محمود وقال لأبي: إن ابنته فتحية (وهذا هو اسمي) مسعودة لأن الله أرسل إليها زوجا، وسوف تصبح زوجة وليست خادمة بالأجرة، ومهرها أربعة آلاف ريال.
وأطلقت زوجة أبي الزغاريد، واشترت لي ثوب زفاف أبيض، فرحت به كما تفرح طفلة في العاشرة بثوب جديد. وحين رأيت الرجل الذي أصبح زوجي أصابني الفزع، إنه عجوز أكبر من أبي، يمشي على عكاز، وقد فقد ساقه اليمنى في حادث، وله ثلاث زوجات في السعودية وأربعة وعشرون ولدا وبنتا.
وقال لي أبي: الرجل لا يعيبه إلا جيبه، وقد أحل الله للرجل أربع زوجات، وليس في القرآن نص يحدد فارق السن بين الزوج والزوجة، وقد تزوج الرسول محمد
صلى الله عليه وسلم
وهو في الستين من العمر من السيدة عائشة وهي في الثامنة من العمر، أي كانت تصغرني بعامين اثنين.
وتمكن عم محمود من استخراج شهادة ميلاد لي يثبت أن عمري ستة عشر عاما (وليس عشر سنوات كما كانت) وجواز سفر لي، وأعطى والدي أربعة آلاف ريال، وسافرت مع زوجي إلى مكة المكرمة.
عشت خمس سنوات أشبه بالجحيم، كان يضربني ضربا مبرحا في الفراش حتى أبكي وأصرخ من شدة الألم. لم أكن أعرف لماذا يضربني ثم يغتصبني، ثم عرفت من زوجاته السابقات أنه مريض نفسيا، ولا شيء يوقظ شهوته الميتة إلا صراخ طفلة تعذبها آلام الضرب. وكان معنا في البيت الكبير خادمة مصرية، وكنت أحسدها إذ لم تكن تتعرض للضرب مثلي، كانت تقبض كل شهر خمسمائة ريال سعودي، وكانت تسافر إلى أهلها طوال السنين الخمس. وأنجبت الولد والبنت وأصبحت أسيرة أمومتي، ولا أعرف كيف أنقذ نفسي. لكن حياتي كانت تزداد سوءا، وقسوته علي تزداد، وزوجاته الثلاثة يضربن طفلي بلا سبب، وهددت واحدة منهن بقتل ابني حتى لا يشارك أولادهن الميراث. وطلبت الطلاق من زوجي لأعود إلى مصر، لكنه رفض أن يطلقني. لقد استمر في تعذيبي وضربي واغتصابي، ولم يكن يستطيع أن يفعل ذلك مع زوجاته الثلاثة الأخريات. لم يكن أمامي إلا الهروب والعودة إلى مصر. ساعدني بعض أهل الخير من المصريين في مكة، ووضعت اسم ابني وابنتي في جواز سفري.
Неизвестная страница