Книга о медицинской этике
كتاب أدب الطبيب
Жанры
ولا يشك من يفهم، أن قوله «المريض ومن يحضره»، أنه إلى ما قلناه أشار. ولما كانت هذه المشورة التى أشار بها بقراط قد أهملها كثير من المتوسمين بصناعة الطب، إما لجهل بها، أو لتغافل عنها بقصد، لتسوغ لهم الحيلة على التكسب، والانتفاع بالعامة. وساعدهم على ذلك، تركهم وما يعملونه من أنواع الخطأ المفسد لمحاسنها، 〈من جهة〉 الملوك، ومن إليه النظر فى مصالح الناس. فإنهم لما أهملوا النظر فى هذه الصناعة الجليلة، المصلحة لنفوس الناس، وأجسامهم، اتسعت الحيلة لأهل الشر بها، وقلت المبالاة بالفساد الداخل من جهة إفساد الداخلين فيها.
من ذلك ما نشاهده من مشورة الأطباء، بغير توقف، ولا بحث، ولا قانون صناعى، على كل من جاءهم، من أى أصناف الناس كان. 〈و〉قد جرت عادات كثير من الناس، أن يوجهوا بقارورة الماء إلى الطبيب، مع أدون خدم المنزل، إما صبى، أو عجوز، أو مملوك عجمى، وقصدهم بذلك أن يفهم عن الطبيب كل ما يحتاج إليه المريض. 〈ف〉بغير شك أن الطبيب لا يمكنه أن يشير بشئ، أو يفهم جميع حالات المريض. أفترى، ليت شعرى! من يفهم ذلك: الصبى، أم العجوز، أم الأعجمى؟! فما يتمالك الطبيب 〈عن〉 أن ينظر إلى القارورة، حتى يبادر بالصفة، ويأمر أيضا غلامه بدفعها إلى الرسول، إن كان ممن يرجى أخذ فضته. فأقسم بالله أن كثيرا من هؤلاء الأطباء، لو سأل سائل 〈أحدهم〉: ما الذى علمته من العلامات، من هذا الماء الذى رأيته، ولم وصفت ما وصفته؟ لما وجد عنده جوابا يقنع به السائل له.
ولا فيهم أيضا من يتوقف، إلى أن يجد من فيه تحصيل، لئلا تفوته الفضة، ولا من يخشى من عتب عاتب، ولا يخاف لوم لائم. ولذلك قد فشا فيهم الكسل، وسهل عليهم التوانى، فلا ناظر فى علم، ولا قارئ لكتاب! ولا تجد منهم من يسأل عن تعلم شئ من الصناعة، ولا من يذاكر صاحبه فى مسئلة، أو فى أمر دواء، أو غيره، لكن 〈منهم〉 من يفرغ من كسب الدراهم، 〈ﻓﻴ〉تشاغل بشرب الأقداح الكبار، واللعب بالشطرنج وأشباه ذلك.
وإذا كان الأمر على ما حكيناه، فلذلك يكون الأطباء مسرورين بقلة فهم من يشاورهم، فرحين بسوء تحصيلهم. فأما إن جاءهم أحد يستفهم أمر مرض من الأمراض، أو أمر سبب علامة، أو يناظرهم فى دواء من الأدوية، أو بعض أجزاء الطب، هربوا من كلامه، واجتهدوا فى أن لا يجتمعوا معه فى موضع من المواضع، لئلا ينكشف بذلك جهلهم عند العامة، وتفتضح دهثمتهم، وكيف لا يهرب هؤلاء الأطباء من الآحاد المناظرين لهم على صناعتهم، وهم يخدمون ألوفا من الناس لا يعرفون من أخطائهم شيئا يتصورونه بصورة الصواب، ويعتقدون فى أطبائهم أنهم حذاق، بسبب صناعة الطب؟! والسبب فى ذلك، مع جهلهم، وقلة انتقادهم، أنهم يجدونهم يتولونهم، ويكثرون الترداد إلى منازلهم، ويرخصون عليهم الأدوية، وكثير منها يأخذونها بغير ثمن. فهم لذلك أفاضل عندهم، ولا يفكرون فى أنهم 〈قد〉 يهلكون عند مرضهم، بتدبير هؤلاء الأطباء لهم.
Страница 133