============================================================
كتاب أدب الملوك في بيان حقائق التصوف النيات، والغالب عليهم ما إليه مرجع الأمور من السر لقوله : لا ينظر الله عز وجل إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وهمومكم، وأوحى الله عز وجل إلى نبي من بني إسرائيل أن: قل لقومك ليس مرادي منكم ظواهركم إنما مرادي منكم بواطنكم.
ثم لم يتفاضل الأولياء والآبرار على سائر الناس بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشيء كان في قلوهم، فالأعمال والطاعات في الظاهر تكون فيها الآفات من رؤية الخليقة والرياء وغيره ، وأعمال السر لا يطلع عليها إلا البارئ عز وجل، ولا يوزن الصوفية بميزان الظاهر إذ كانوا على حكم السداد بشهادة الشرائع ، فإن للصوفية أسرارا مع الله عز وجل لأن الصوفية أهل الأسرار والطويات وأهل العزائم والنيات، وتعبدهم في السر:.
وما ظهر عليهم من تعبد الظاهر فذلك من مواريث الأسرار، لأتهم يعبدون الله بمشاهدة القلوب ، فيشهدون بحقائق إيمانهم مغيبات الآمور، وذلك من قوله الق حين سأله جبريل عليه الصلاة والسلام عن الإحسان ، فقال : أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فحقيقة التعبد في حقائق الإحسان للصوفية ما أشار إليه لأنهم ي عبدون الله بحقائق الأسرار ومشاهدة الضمائر، فالأول رؤية العبد بحقائق الايمان وشواهد الايقان، وهي مشاهدة بالرب عز وجل ، والثانية من الإشارة قوله : فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وذلك مشاهدة الرب عز وجل على قلوب (34) الأصفياء والأولياء، فهذه حقيقة المشاهدتين: مشاهدة بالله عز وجل ومشاهدة الله عز وجل، وذلك من حقائق الأسرار والغالب فيها.
ومن ذلك تفرقة الصوفية في الظاهر، وفرقهم الوجد حتى بانت أحواهم وتشتتت 18 مقاماتهم : فقوم لزموا العزلة والانفراد، وقوم آووا الى الصحارى والمقاوز والمتاهات، وقوم استوطنوا الغربات واستوحشوا العمران، وقوم مضوا إلى رؤوس الجبال والكهوف والغيران، فاستأنسوا بالوحوش والطيور، وأقوام تعلقوا بعضهم ببعض بقوة الأحوال، 21 ونفع أهل الدار، فكانوا موافقين في المراد والمشاهدات، وصار بعضهم نفعا للبعض، وصاروا بأجمعهم حججا على الخليقة وبراهين عليهم وسفراء بين الله وبين خلقه.
4) يتفاضل: يتفاضلوا ض 7) اسرارا: اسرار ض 40) رؤوس: راس ض.
1) 2) المعجم المفهرس 429/6.
11)- 12) المعجم المقهرس 202/2.
... .
Страница 31