بل أزيد على هذا وأقول إن أدباءنا قد غذوا هذه الثورة السوداء بكثير من مؤلفاتهم ... وقد احتجت أنا والأستاذ التابعي إلى أن نهيب بهم في الأسبوع الماضي أن يقولوا كلمة في استهجان هذه الحركة المدمرة.
وقد كان سكوتهم مستغربا، ولكني لا أراه الآن، في ضوء مذهبهم في الأدب، مما يستغرب؛ إذ هم يعتقدون ويصرحون باعتقادهم بأن الأدب لا شأن له بمشكلات المجتمع.
أفيقوا يا أدباء مصر، وافهموا، وتعلموا، أن الأدب للحياة والإنسانية والمجتمع، وأنه ليس نكته بديعة أو بيتا رائعا، وإنما هو ارتقاء وتطور وكفاح لتعميم الخير والشرف والإخاء والحب.
هذا هو ما كتبته قبل شهور، والعجب أن هناك من يردون علي حين أنتقد شوقي أو غيره من الشعراء أو الأدباء بأنه لم يكن يبالي بالشعب، يردون علي بأن لهذا الشاعر أو غيره قصيدة يدعو فيها الأثرياء إلى الإحسان ...
لا، ليس هذا هو الأدب الشعبي.
ليس الأدب الشعبي، الإنساني، أن نؤلف القصائد أو القصص كي نبعث في الأثرياء العطف على الفقراء والتصدق عليهم، وإنما هو أن ننظر بالعين الفنية للمشكلات الإنسانية والاجتماعية، ولكن من موقف الشعب نفسه، أي من الموقف الإنساني، وليس من موقف الأثرياء، فلا نطلب التصدق، وإنما نكافح للعدل والمساواة.
اعتبر مثلا إحدى المشكلات الحاضرة؛ وهي المشكلة الجنسية بالفصل بين الجنسين، فإن شبابنا تعساء لا يحيون حياة الحب، ومع ذلك أين هو الكاتب الذي يدعو إلى مكافحة هذه التعاسة وإلى الدعوة بأن من حق شبابنا وفتياتنا أن يحبوا، وأن يختلطوا، وألا يتزوجوا إلا عن حب سابق؟
إننا نحتاج إلى عقول اجتماعية تقدر قيم الحنان والجمال والرقة والحب والاختلاط بين الجنسين؛ لأن هذا هو التمدن، بل هذا هو الإنسانية، والأديب العظيم هو قوة إنسانية وتمدينية للمجتمع الذي يعيش فيه. •••
ولكن هناك أيضا عشرات من المشكلات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والعائلية، بل هناك مشكلات تتصل بموقف الإنسان في هذا الكون، لم يعالجها أديب مصري أو لم تتحيز المكانة العليا في أدبه، وذلك للتقاليد الأدبية السائدة؛ وهي أن الأدب للذة الذهنية، أو الترف الذهني، وأنه ليس للحياة، أو للإنسانية، أو للشعب، أو للمجتمع.
وهذه النظرة الاستهتارية للأدب هي التي حملت بعض أدبائنا على أن يؤيدوا أحمد زيور في تحطيم الدستور، وجمع أعضاء البرلمان في الصباح ثم طردهم في المساء، وهي التي حملت بعض الأدباء أيضا على تأييد محمد محمود في تعطيل الدستور ثلاث سنوات تقبل التجديد، وهي التي حملت آخرين على تأليف المجلدات التي تحوي القصائد في مدح فاروق أو نعته بأنه «فيلسوف».
Неизвестная страница