Адаб ад-дунья ва-д-дин

аль-Маварди d. 450 AH
155

Адаб ад-дунья ва-д-дин

أدب الدنيا والدين

Издатель

دار مكتبة الحياة

Номер издания

الأولى

Год публикации

1407 AH

Место издания

بيروت

Жанры

Суфизм
أُطِيلَ إسْخَانُهُ بِالنَّارِ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ إطْفَائِهَا. وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْحَكَمِ الثَّقَفِيُّ: تُكَاشِرُنِي ضَحِكًا كَأَنَّك نَاصِحٌ ... وَعَيْنُك تُبْدِي أَنَّ صَدْرَك لِي دَوِي لِسَانُك مَعْسُولٌ وَنَفْسُك عَلْقَمٌ ... وَشَرُّك مَبْسُوطٌ وَخَيْرُك مُلْتَوِي فَلَيْتَ كَفَافًا كَانَ خَيْرُك كُلُّهُ ... وَشَرُّك عَنِّي مَا ارْتَوَى الْمَاءَ مُرْتَوِي فَإِذَا خَرَجَ مَنْ كَانَ كَالدَّاءِ مِنْ عِدَادِ الْإِخْوَانِ، فَالْإِخْوَانُ هُمْ الصِّنْفَانِ الْآخَرَانِ اللَّذَانِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَالْغِذَاءِ وَكَالدَّوَاءِ؛ لِأَنَّ الْغِذَاءَ أَقْوَمُ لِلنَّفْسِ وَحَيَاتِهَا، وَالدَّوَاءَ عِلَاجُهَا وَصَلَاحُهَا. وَأَفْضَلُهُمَا مَنْ كَانَ كَالْغِذَاءِ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ أَعَمُّ. وَإِذَا تَمَيَّزَ الْإِخْوَانُ وَجَبَ أَنْ يَنْزِلَ كُلٌّ مِنْهُمْ حَيْثُ نَزَلَتْ بِهِ أَحْوَالُهُ إلَيْهِ وَاسْتَقَرَّتْ خِصَالُهُ وَخِلَالُهُ عَلَيْهِ. فَمَنْ قَوِيَتْ أَسْبَابُهُ قَوِيَتْ الثِّقَةُ بِهِ، وَبِحَسَبِ الثِّقَةِ بِهِ يَكُونُ الرُّكُونُ إلَيْهِ، وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الشَّاعِرُ: مَا أَنْتَ بِالسَّبَبِ الضَّعِيفِ وَإِنَّمَا ... نُجْحُ الْأُمُورِ بِقُوَّةِ الْأَسْبَابِ فَالْيَوْمُ حَاجَتُنَا إلَيْك وَإِنَّمَا ... يُدْعَى الطَّبِيبُ لِشِدَّةِ الْأَوْصَابِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ مَذَاهِبُ النَّاسِ فِي اتِّخَاذِ الْإِخْوَانِ. فَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الِاسْتِكْثَارَ مِنْهُمْ أَوْلَى؛ لِيَكُونُوا أَقْوَى مَنَعَةً وَيَدًا، وَأَوْفَرَ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا، وَأَكْثَرَ تَعَاوُنًا وَتَفَقُّدًا. وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَا الْعَيْشُ؟ قَالَ: إقْبَالُ الزَّمَانِ، وَعِزُّ السُّلْطَانِ، وَكَثْرَةُ الْإِخْوَانِ. وَقِيلَ: حِلْيَةُ الْمَرْءِ كَثْرَةُ إخْوَانِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّ الْإِقْلَالَ مِنْهُمْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَخَفُّ إثْقَالًا وَكُلَفًا، وَأَقَلُّ تَنَازُعًا وَخُلْفًا. وَقَالَ الْإِسْكَنْدَرُ: الْمُسْتَكْثِرُ مِنْ الْإِخْوَانِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ كَالْمُسْتَوْفِرِ مِنْ الْحِجَارَةِ، وَالْمُقِلُّ مِنْ الْإِخْوَانِ الْمُتَخَيِّرُ لَهُمْ كَاَلَّذِي يَتَخَيَّرُ الْجَوْهَرَ. وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: مَنْ كَثُرَ أَخِوَانُهُ كَثُرَ غُرَمَاؤُهُ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ الْعَبَّاسِ: مَثَلُ الْإِخْوَانِ كَالنَّارِ قَلِيلُهَا مَتَاعٌ وَكَثِيرُهَا بَوَارٌ. وَلَقَدْ أَحْسَنَ ابْنُ الرُّومِيِّ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَنَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ، حَيْثُ يَقُولُ: عَدُوُّك مِنْ صِدِّيقِك مُسْتَفَادُ ... فَلَا تَسْتَكْثِرَنَّ مِنْ الصِّحَابِ فَإِنَّ الدَّاءَ أَكْثَرَ مَا تَرَاهُ ... يَكُونُ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الشَّرَابِ وَدَعْ عَنْك الْكَثِيرَ فَكَمْ كَثِيرٌ ... يُعَافَ وَكَمْ قَلِيلٌ مُسْتَطَابُ

1 / 170