Адаб ад-дунья ва-д-дин

аль-Маварди d. 450 AH
154

Адаб ад-дунья ва-д-дин

أدب الدنيا والدين

Издатель

دار مكتبة الحياة

Номер издания

الأولى

Год публикации

1407 AH

Место издания

بيروت

Жанры

Суфизм
وَأُقْسِمُ مَا تَرْكِي عِتَابَك عَنْ قِلًى ... وَلَكِنْ لِعِلْمِي أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعِ وَإِنِّي إذَا لَمْ أَلْزَمِ الصَّبْرَ طَائِعًا ... فَلَا بُدَّ مِنْهُ مُكْرَهًا غَيْرَ طَائِعِ فَإِذَا اسْتَكْمَلَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ فِي إنْسَانٍ وَجَبَ إخَاؤُهُ، وَتَعَيَّنَ اصْطِفَاؤُهُ. وَبِحَسَبِ وُفُورِهَا فِيهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمَيْلُ إلَيْهِ وَالثِّقَةُ بِهِ. وَبِحَسَبِ مَا يُرَى مِنْ غَلَبَةِ إحْدَاهَا عَلَيْهِ يُجْعَلُ مُسْتَعْمَلًا فِي الْخُلُقِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الْإِخْوَانَ عَلَى طَبَقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَأَنْحَاءٍ مُتَشَعِّبَةٍ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَالٌ يَخْتَصُّ بِهَا فِي الْمُشَارَكَةِ، وَثُلْمَةٌ يَسُدُّهَا فِي الْمُؤَازَرَةِ وَالْمُظَافَرَةِ، وَلَيْسَ تَتَّفِقُ أَحْوَالُ جَمِيعِهِمْ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ التَّبَايُنَ فِي النَّاسِ غَالِبٌ، وَاخْتِلَافَهُمْ فِي الشِّيَمِ ظَاهِرٌ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الرِّجَالُ كَالشَّجَرِ شَرَابُهُ وَاحِدٌ وَثَمَرُهُ مُخْتَلِفٌ. فَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى مَنْصُورُ بْنُ إسْمَاعِيلَ فَقَالَ: بَنُو آدَمَ كَالنَّبْتِ ... وَنَبْتُ الْأَرْضِ أَلْوَانُ فَمِنْهُمْ شَجَرُ الصَّنْدَلِ ... وَالْكَافُورُ وَالْبَانُ وَمِنْهُمْ شَجَرٌ ... أَفْضَلُ مَا يَحْمِلُ قَطْرَانُ وَمَنْ رَامَ إخْوَانًا تَتَّفِقُ أَحْوَالُ جَمِيعِهِمْ رَامَ مُتَعَذَّرًا، بَلْ لَوْ اتَّفَقُوا لَكَانَ رُبَّمَا وَقَعَ بِهِ خَلَلٌ فِي نِظَامِهِ، إذْ لَيْسَ الْوَاحِدُ مِنْ الْإِخْوَانِ يُمْكِنُ الِاسْتِعَانَةُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَلَا الْمَجْبُولُونَ عَلَى الْخُلُقِ الْوَاحِدِ يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَرَّفُوا فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَإِنَّمَا بِالِاخْتِلَافِ يَكُونُ الِائْتِلَافُ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَيْسَ بِلَبِيبٍ مَنْ لَمْ يُعَاشِرْ بِالْمَعْرُوفِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مِنْ مُعَاشَرَتِهِ بُدًّا. وَقَالَ الْمَأْمُونُ: الْإِخْوَانُ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ: طَبَقَةٌ كَالْغِذَاءِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَطَبَقَةٌ كَالدَّوَاءِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَحْيَانًا، وَطَبَقَةٌ كَالدَّاءِ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَبَدًا. وَلَعَمْرِي إنَّ النَّاسَ عَلَى مَا وَصَفَهُمْ، لَا الْإِخْوَانُ مِنْهُمْ. وَلَيْسَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَالدَّاءِ، مِنْ الْإِخْوَانِ الْمَعْدُودِينَ، بَلْ هُمْ مِنْ الْأَعْدَاءِ الْمَحْذُورِينَ. وَإِنَّمَا يُدَاجُّونَ الْمَوَدَّةَ اسْتِكْفَافًا لِشَرِّهِمْ، وَتَحَرُّزًا مِنْ مُكَاشَفَتِهِمْ، فَدَخَلُوا فِي عِدَادِ الْإِخْوَانِ بِالْمُظَاهَرَةِ وَالْمُسَاتَرَةِ، وَفِي الْأَعْدَاءِ عِنْدَ الْمُكَاشَفَةِ وَالْمُجَاهَرَةِ. قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَثَلُ الْعَدُوِّ الضَّاحِكِ إلَيْك كَالْحَنْظَلَةِ الْخَضْرَاءِ أَوْرَاقُهَا، الْقَاتِلِ مَذَاقُهَا. وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: لَا تَغْتَرَّنَّ بِمُقَارَبَةِ الْعَدُوِّ فَإِنَّهُ كَالْمَاءِ وَإِنْ

1 / 169