Адаб ад-дунья ва-д-дин

аль-Маварди d. 450 AH
128

Адаб ад-дунья ва-д-дин

أدب الدنيا والدين

Издатель

دار مكتبة الحياة

Номер издания

الأولى

Год публикации

1407 AH

Место издания

بيروت

Жанры

Суфизм
مُنْصَرِفُ الْفِكْرِ عَنْ غَيْرِهِ. فَهُوَ يَظُنُّ أَنْ لَا خَوْفَ لَهُ إلَّا إيَّاهُ، فَيَغْفُلُ عَنْ قَدْرِ النِّعْمَةِ بِالْأَمْنِ فِيمَا سِوَاهُ، فَصَارَ كَالْمَرِيضِ الَّذِي هُوَ بِمَرَضِهِ مُتَشَاغِلٌ، وَعَمَّا سِوَاهُ غَافِلٌ. وَلَعَلَّ مَا صُرِفَ عَنْهُ أَعْظَمُ مِمَّا اُبْتُلِيَ بِهِ، وَإِنَّمَا يُوَكَّلُ بِالْأَدْنَى وَإِنْ جَلَّ مَا يَمْضِي. وَحُكِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ - وَأَعْرَابِيٌّ حَاضِرٌ -: مَا أَشَدَّ وَجَعَ الضِّرْسِ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: كُلُّ دَاءٍ أَشَدُّ دَاءً. وَكَذَلِكَ مَنْ عَمَّهُ الْأَمْنُ كَمَنْ اسْتَوْلَتْ عَلَيْهِ الْعَافِيَةُ، فَهُوَ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ النِّعْمَةِ بِأَمْنِهِ حَتَّى يَخَافَ، كَمَا لَا يَعْرِفُ الْمُعَافَى قَدْرَ النِّعْمَةِ حَتَّى يُصَابَ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إنَّمَا يُعْرَفُ قَدْرُ النِّعْمَةِ بِمُقَاسَاةِ ضِدِّهَا. فَأَخَذَ ذَلِكَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ فَقَالَ: وَالْحَادِثَاتُ وَإِنْ أَصَابَك بُؤْسُهَا ... فَهُوَ الَّذِي أَنْبَاكَ كَيْفَ نَعِيمُهَا فَالْأَوْلَى بِالْعَاقِلِ أَنْ يَتَذَكَّرَ عِنْدَ مَرَضِهِ وَخَوْفِهِ قَدْرَ النِّعْمَةِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ عَافِيَتِهِ وَأَمْنِهِ، وَمَا انْصَرَفَ عَنْهُ مِمَّا هُوَ أَشَدُّ مِنْ مَرَضِهِ وَخَوْفِهِ، فَيَسْتَبْدِلُ بِالشَّكْوَى شُكْرًا، وَبِالْجَزَعِ صَبْرًا، فَيَكُونُ فَرِحًا مَسْرُورًا. حُكِيَ أَنَّ يَعْقُوبَ قَالَ لِيُوسُفَ ﵉، حِينَ لَقِيَهُ: أَيُّ شَيْءٍ كَانَ خَبَرُك بَعْدِي؟ قَالَ: لَا تَسْأَلْ عَمَّا فَعَلَهُ بِي إخْوَتِي سَلْنِي عَمَّا صَنَعَهُ بِي رَبِّي. وَقَالَ الشَّاعِرُ: لَا تَنْسَ فِي الصِّحَّةِ أَيَّامَ السَّقَمْ ... فَإِنَّ عُقْبَى تَارِكِ الْحَزْمِ نَدَمْ وَأَمَّا الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ: فَهِيَ خِصْبُ دَارٍ تَتَّسِعُ النُّفُوسُ بِهِ فِي الْأَحْوَالِ وَتَشْتَرِكُ فِيهِ ذُو الْإِكْثَارِ وَالْإِقْلَالِ. فَيَقِلُّ فِي النَّاسِ الْحَسَدُ، وَيَنْتَفِي عَنْهُمْ تَبَاغُضُ الْعَدَمِ، وَتَتَّسِعُ النُّفُوسُ فِي التَّوَسُّعِ، وَتُكْثِرُ الْمُوَاسَاةَ وَالتَّوَاصُلَ. وَذَلِكَ مِنْ أَقْوَى الدَّوَاعِي لِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَانْتِظَامِ أَحْوَالِهَا، وَلِأَنَّ الْخِصْبَ يَئُولُ إلَى الْغِنَى وَالْغِنَى يُورِثُ الْأَمَانَةَ وَالسَّخَاءَ. وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ﵁ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: لَا تَسْتَقْضِيَنَّ إلَّا ذَا حَسَبٍ وَمَالٍ، فَإِنَّ ذَا الْحَسَبِ يَخَافُ الْعَوَاقِبَ وَذَا الْمَالِ لَا يَرْغَبُ فِي مَالِ غَيْرِهِ. وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إنِّي وَجَدْت خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي التُّقَى وَالْغِنَى، وَشَرَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فِي الْفُجُورِ وَالْفَقْرِ. وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: وَلَمْ أَرَ بَعْدَ الدِّينِ خَيْرًا مِنْ الْغِنَى ... وَلَمْ أَرَ بَعْدَ الْكُفْرِ شَرًّا مِنْ الْفَقْرِ

1 / 143