199

Деяния Пророка ﷺ и их указания на положения шариата

أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

Издатель

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

Номер издания

السادسة

Год публикации

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Место издания

بيروت - لبنان

Жанры

والحديث في الموطأ أيضًا.
فلعلّ الذي خطر ببال الصحابي السائل أن بقاء النبي ﷺ على الجنابة أثناء الصوم يحتمل أن يكون معصية، وقد أقدم عليها اعتمادًا على المغفرة السابقة.
وربما كان ما خطر بباله أنه ﷺ لم يهتمّ بتعرّف الحكم في المسألة، اعتمادًا على المغفرة المشار إليها.
وكان جوابه ﷺ مبطلًا لكلا الاحتمالين:
فقوله: "إني أخشاكم لله" ردّ للاحتمال الأول. وهو إشارة إلى أن المغفرة لم تمنع كمال الخشية، لعلمه ﷺ بجلال ربّه وعظمته.
وقوله: "وأعلمكم بما أتقي"، ردّ للاحتمال الثاني، إذ هو ﷺ أعلم الأمة بمرادات ربه في الوحي المنزّل إليه. وقد أشرنا إلى ردّ هذا الاحتمال في المطلب الثاني المتقدم.
الشبهة الثانية: أنه ﷺ قد يفعل المكروه لبيان الجواز، كما تقدم. فما يؤمّننا أن يكون الفعل الذي نراه مفيدًا للإباحة، هو في الأصل مكروه وقد فعله ﷺ لبيان الجواز، فتكون استفادتنا للحكم خطأ.
ويجاب عن هذا بأنه لا بد أن تتبين كراهته إما بنهي عنه في موضع آخر، أو بالقرائن.
الشبهة الثالثة: أنه ﷺ كان يعامل الناس بما يتألفهم ولا ينفرهم، وقد قال الله تعالى له: ﴿فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك﴾ (١).
فما يؤمّننا أن يكون الفعل الذي نريد أن نقتدي به فيه مكروهًا أو محرمًا عليه في الأصل، ولكن أبيح له فعله للمصلحة الراجحة من تأليف القلوب، وحسن السياسة، والتوصّل إلى ما هو أهم وأعظم.

(١) سورة آل عمران: آية ١٥٩

1 / 206