184

Деяния Пророка ﷺ и их указания на положения шариата

أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

Издатель

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

Номер издания

السادسة

Год публикации

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Место издания

بيروت - لبنان

Жанры

أما (الأسوة) فقد وردت في اللغة لمعنيين:
الأول: ما يتسلى به الحزين عن مصابه، والمهموم عن همّه.
والثاني: المماثلة. تقول: جعلته في مالي أُسوة، أي قسمتُ مالي بيني وبينه نصفين، حتى صار مثلي فيه. ومنه جاءت الأسوة بمعنى القُدوة.
وبين المعنيين صلة واضحة، فإن المحزون يتسلّى بأن يقول لنفسه: قد أصاب فلانًا مثل ما أصابني، فعليّ أن أصبر كما صبر.
ويحتمل أن الأسوة التي بمعنى التسلّي عن المصاب، من (الإسا) الذي بمعنى الدواء والمعالجة، إذ إن المصيبة كالجراح، والسلوّ دواؤها.
و(الأسوة) في الآية، لأول وهلة، يبدو أنها محتملة للمعنيين جميعًا. يقول القرطبي: "قوله تعالى ﴿أسوة﴾ الأسوة: القدوة، والأسوة: ما يُتأسى به، أي يتعزّى به، فيقتدى به في جميع أفعاله، ويُتَعَرَّى به في جميع أحواله، فقد شُجَّ وجهه ﷺ، وكُسِرَت رَبَاعِيَتُه (١)، وقُتل عمه حمزة، وجاع بطنه، ولم يُلْفَ إلاّ صابرًا محتسبًا وشاكرًا راضيًا".
ولكن إن نحن جعلنا (الأسوة) في الآية بمعنى ما يتصبّر به الحزين، لم تكن الآية حجة في الاقتداء بأفعال النبي ﷺ، لأن لنا أسوَةً بكل صابر.
وإن جعلناه بمعنى القدوة، فهي حجة على المطلوب، وهو قول جمهور الأصوليين. وهو الصواب، كما نبيّنه بعد.
وقد أورد بعضهم على الاحتجاج بهذه الآية، أنها وردت في أمر خاص هو الاقتداء به ﷺ في الصبر في الحرب، وليس لفظ ﴿أسوة﴾ في الآية من ألفاظ العموم حتى يقتدى به في غير هذا الفعل.
قالوا: وحتى لو قلنا إنها ليست خاصة بما ذكر في السياق، فلا يجوز القول

(١) الرباعية، إحدى الأسنان الأربع التي تلي الثنايا، بين الثنية والناب (اللسان).

1 / 191