122

Деяния Пророка ﷺ и их указания на положения шариата

أفعال الرسول ﷺ ودلالتها على الأحكام الشرعية

Издатель

مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع

Номер издания

السادسة

Год публикации

١٤٢٤ هـ - ٢٠٠٣ م

Место издания

بيروت - لبنان

Жанры

ومعلوم أن استثناءه الإذْخِر لم يكن إلاّ من تلقاء نفسه، لعلمنا بأنه يوح إليه تلك اللحظة.
وقد نوقش الاستدلال بهذه الواقعة، باحتمال أن يكون جاءه الوحي باستثناء الإذْخِر، بوحيٍ كلمح البصر.
٣ - ومما يجوز أن يحتج به لذلك قوله ﷺ: "لقد همَمْتُ أن أنهى عن الغيلة، حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك، فلا يضرّ أولادهم" (١).
فظاهرٌ أنه عندما همّ أن ينهى عن ذلك، لم يكن نهيه لأجل وحي أتاه بذلك، بل لمجرد أنه يرى في ذلك مصلحة، وأنه امتنع من النهي عن ذلك عندما علم أن أقوامًا يفعلونه ثم لا يقَع عليهم منه ضرر.
٤ - واحتجوا بقول النبي ﷺ: "لولا أن أشقّ على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" (٢). وهو صريح في أن الأمر بالسّواك، وعدمه، مفوّض إليه، لأن مثل هذا القول لا يصدر إلاّ عمن كان الأمر بيده.
ومثل ذلك ما في صحيح مسلم أنه ﷺ أمر بالحجّ فقال رجل أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا. فقال رسول الله ﷺ: "لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم. ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" (٣). ولولا أن الأمر مفوّض إليه لما كان هذا الخطر محتمَلًا، لأن الوحي لا يعجل لعجلة أحد من الناس.
ومثله أيضًا ما في سيرة ابن هشام، أنه ﷺ قتل النضر بن الحارث في الأسر بعد وقعة بدر، فقالت أخته قُتَيْلَة أبياتًا تعاتب النبي ﷺ تقول منها:
ما كان ضَرَّك لو مننتَ وربّما ... منَّ الفتى وهو المَغيظُ المُحَنَّقُ
فقال ﷺ: "لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته". فلو لم يكن القتل وعدمه مفوضًا إليه، لكان سماعه لهذا الشعر، وعدم سماعه له، سواء.

(١) مالك ومسلم وأحمد والأربعة (الفتح الكبير).
(٢) رواه السبعة (الفتح الكبير).
(٣) صحيح مسلم ٨/ ١٠١ ورواه البخاري.

1 / 128