أعطوا عهدًا. و(نبذ) من النبذ، وهو طرحك الشيء غيرَ معتدّ به، ونبذُ العهد: نقضه، وترك العمل به. والفريق: الجماعة، قليلة أو كثيرة. و(كلما) في قوله تعالى: (كلما عاهدوا) تدل على أن نبذ العهود يتكرر منهم المرة بعد الأخرى، كما قال ابن جريج فيما نقل عنه في تفسير هذه الآية: "لم يكن في الأرض عهد يعاهدون عليه إلا نقضوه؛ يعاهدون اليوم، وينقضون غدًا". وكم عاهدوا رسول الله ﷺ ولم يفوا بما عاهدوا؛ كما فعل بنو قريظة والنضير!. قال تعالى: ﴿الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ [الأنفال: ٥٦]. وإنما قال: ﴿فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾؛ لأن من بني إسرائيل من لم ينبذ العهد؛ كعبدالله بن سلام.
﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾:
﴿بَلْ﴾ حرف يستعمل للانتقال من خبر إلى خبر، وهي هنا للانتقال من الإخبار عن فريق من اليهود بأنهم ينقضون العهد كلما عاهدوا، إلى الإخبار عن أكثر اليهود بأنهم لا يؤمنون. والمعنى: أن فريقًا من اليهود ينقضون كل عهد يعاهدونه، بل أكثر اليهود لا يدخل الإيمان في قلوبهم. فيشمل لفظ ﴿أَكْثَرُهُمْ﴾ ذلك الفريق الذي ينبذ العهد، وغيرَهم ممن لم ينبذوا العهد، فكل منهما محكوم عليهم بأنهم لا يؤمنون، فلا يؤمن من اليهود عندما يدعون إلى الدين الحق إلا قليل.
* * *