موقف بين يدي الله. ومن عرف سيرة الشافعي وفضله ومكانه من الإسلام علم أنه لم يكن معروفًا بفعل الحيل ولا بالدلالة عليها، ولا كان يشير على مسلم بها، وأكثر الحيل التي ذكرها المتأخرون المنتسبون إلى مذهبه من تصرُّفاتهم، تلقَّوها عن المشرقيين، وأدخلوها في مذهبه» (٤/ ٢٢١). كما برَّأ الأئمة من الدعوة إلى تقليدهم، فقال: «وهذه بدعة قبيحة حدثت في الأمة، لم يقل بها أحدٌ من أئمة الإسلام، وهم أعلى رتبةً وأجلُّ قدرًا وأعلم بالله ورسوله من أن يُلزِموا الناس بذلك» (٥/ ١٨٢).
وردَّ على المقلِّدة الذين جعلوا أقوال أئمتهم عيارًا على الكتاب والسنة، وعلى الذين يتلاعبون بأحكام الشريعة من أصحاب الحيل، فيُحلّون الحرام ويحرِّمون الحلال. وقد قال في موضع: «وليس كلامنا في هذا الكتاب مع المقلد المتعصب المقرّ على نفسه بما شهد عليه به جميع أهل العلم أنه ليس من جملتهم، فذاك وما اختار لنفسه» (٤/ ٣١١). والأمثلة على ذلك كثيرة.
أما أسلوبه في الكتاب فهو أسلوب علمي هادئ لا زخرفة فيه ولا تعقيد، تميَّز بوضوح العبارة وعذوبة الألفاظ، وقد شهد له بذلك الشوكاني حيث قال في «البدر الطالع» (١/ ١٤٤): «وكل تصانيفه مرغوب فيها بين الطوائف، وله من حسن التصرف في الكلام مع العذوبة الزائدة وحسن السياق ما لا يقدر عليه غالب المصنفين، بحيث تعشق الأفهام كلامه وتميل إليه الأذهان وتحبّه القلوب».
وفي أثناء الكتاب روائع من أسلوبه البياني المؤثّر الذي يصوِّر به واقع مجتمعه، يقول في موضع: «وأما في هذه الأزمان التي قد شكت الفروج فيها إلى ربّها من مفسدة التحليل، وقبح ما يرتكبه المحلّلون مما هو رمدٌ بل
المقدمة / 52