Числа и построение человека: счет и путь цивилизаций
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
Жанры
13
وليس من الغريب أن هؤلاء الأفراد يفتقرون إلى وجود عادات العد وطرقه، التي يبدو أنها مهمة للغاية في تطور المفاهيم العددية المحددة في عقول الأطفال في المجتمعات العددية. (انظر الفصل السادس.) إن النتائج التي حصل عليها الباحثون من هاتين المجموعتين اللتين تعيشان في الأمازون متشابهة للغاية، مما يشير إلى نتيجة واضحة؛ وهي أن البشر الذين يعيشون في ثقافات تفتقر إلى وجود أنظمة عددية دقيقة يواجهون صعوبة في التمييز الدقيق بين الكميات الأكبر من ثلاثة. وهذا الاستنتاج يسهم في زيادة فهمنا لما كان للأعداد من تأثيرات على نوعنا؛ ففي نهاية المطاف لا تعكس هذه النتائج شيئا عن هاتين المجموعتين فحسب، لكن الأهم أنها توضح كيفية عمل الإدراك الرياضي الأساسي في غياب الدعم المفاهيمي الذي تقدمه مصطلحات الأعداد وغيرها من الرموز المرتبطة بها ؛ فالأصحاء البالغون الذين يفتقرون إلى وجود مثل هذه الأدوات الرمزية يعتمدون على التقدير التقريبي عند التعامل مع الكميات الأكبر من ثلاثة. إن التمثيلات الدقيقة لكميات مثل 5 و6 و7 ليست متأصلة في عقولنا بطريقة ما، بل تكتسب عادة من خلال الثقافة. إنها ظاهرة تعتمد على اللغة؛ فنحن لا نستطيع التمييز بين مثل هذه الكميات بدقة على الدوام إلا أن نندمج في مصفوفة من الرموز المتوارثة ثقافيا، مثل مفردات الأعداد.
في كتابه «الحاسة العددية» يقدم عالم النفس الشهير ستانيسلاس ديهان (أحد أعضاء فريق بيكا) التفسير التالي لنتائج تمييز الكميات التي جمعت من الموندوروكو: «إن تجاربنا تدافع بقوة عن عالمية الحاسة العددية ووجودها في أي ثقافة بشرية، مهما كانت درجة انعزالها أو حرمانها من التعليم؛ فما توضحه أن الحساب سلم، جميعنا يبدأ من الدرجة نفسها، لكننا لا نرتقي جميعا إلى المستوى نفسه.»
14
إن ديهان على صواب بالطبع في أن نتائج الموندوروكو والبيراها تؤيد الطبيعة العالمية لحاستنا العددية الفطرية، أو حاستينا العدديتين على وجه التحديد؛ فبالرغم من كل شيء، تستطيع كلتا الجماعتين التمييز بين 1 و2 و3 بصورة متسقة؛ وذلك من خلال الحاسة العددية الدقيقة (نظام التفرد المتوازي الفطري). وكلتا المجموعتين تعمدان إلى حساب الكميات الكبيرة بصورة تقديرية، باستخدام الحاسة العددية التقريبية. بالرغم من ذلك، فربما يكون الأمر الأهم بشأن هذه الدراسات وثيقة الصلة، هي أنها تقترح أن ارتقاء أي من درجات السلم يستلزم وجود الأعداد. إن الارتفاع الذي نبلغه في ارتقاء هذا السلم ليس نتيجة لذكائنا الفطري، بل نتيجة اللغة التي نتحدث بها والثقافة التي ولدنا فيها؛ فإذا كان أحدنا يتحدث لغة لا عددية، فلن تكون لديه سوى فرصة ضئيلة في الارتقاء، ومن المحتمل ألا يكون لديه سوى سبب ضئيل يدفعه إلى الارتقاء أيضا؛ فاللغة العددية وما يرتبط بها من ممارسات عددية، تتيح وجود ما يبدو لنا على أنه أنواع أساسية من التفكير الكمي.
لا يزال علينا إجراء الكثير من الأبحاث قبل أن نحيط بفهم كامل للدور الذي أدته اللغة العددية وغيرها من مظاهر الثقافة العددية، في تشكيل الإدراك الرياضي لدى الغالبية العظمى من البشر الذين يعيشون اليوم. وهذا الاستكشاف لن يوضح لنا دور الأعداد في توحيد حاستينا العدديتين الأساسيتين فحسب، بل سيفسر لنا أيضا جوانب أخرى من التفكير الكمي؛ فعلى سبيل المثال، بدأ العمل البحثي الذي أجري على ثقافة الموندوروكو في استكشاف كيفية تأثير الأعداد في قدرة البشر على تنصيف الكميات، ويقترح ذلك البحث أن أفراد الموندوروكو يستطيعون تنصيف الكميات بشكل تقريبي ، حتى وإن لم يكونوا قد تعرضوا لتلك الكميات من قبل.
15
ومن المسائل الأخرى التي أجريت الأبحاث عليها حديثا في ثقافة الموندروركو، هي مدى استخدام الأشخاص للمفاهيم المكانية أثناء التفكير الكمي. ومثلما ذكرت في الفصل الأول، فإن البشر كثيرا ما يستخدمون المجال المادي للمكان لفهم بعض النطاقات الإدراكية الأكثر تجريدا. وقد أشرت في هذا الفصل إلى أن الغالبية العظمى من الثقافات تستخدم المكان من أجل فهم الزمن. وبالمثل فإن البشر كثيرا ما يفسرون الكميات بمصطلحات مكانية، ويستخدم نقل الكميات إلى المكان في مدارسنا بالطبع، التي يتعلم فيها طلابنا استخدام خطوط الأعداد والمستوى الديكارتي، غير أننا نجد استخداما أقل منهجية للمكان يظهر في العديد من الثقافات الأخرى. إضافة إلى ذلك، تقترح بعض الأبحاث أن الأطفال الصغار والرضع يعرفون جيدا كيف يتصورون الأعداد في المكان قبل أن يبدءوا التعلم في المدرسة.
16
ولكي نتمكن من تحقيق فهم أفضل للتعيين الإدراكي للكميات في المكان؛ أجرى ديهان وزملاؤه التجربة التالية على أفراد الموندوروكو. عرض على المشاركين دائرتان يفصل بينهما خط أفقي. على الدائرة اليسرى توجد نقطة سوداء، وعلى الدائرة اليمنى توجد عشر نقاط سوداء، ثم عرض على المشاركين مجموعة منفصلة من النقاط، تتكون من ست نقاط على سبيل المثال، وطلب منهم وضع هذه الكمية من النقاط على الخط الأفقي. والآن، إذا كان الموندوروكو لا يفهمون الكميات من خلال المكان، فقد تكون إجاباتهم عشوائية، وعلى النقيض من ذلك، فالأمريكيون يضعون الكميات عادة على مسافات متساوية على خط «الأعداد» الأفقي؛ فهم على سبيل المثال يضعون تسع نقاط بالقرب من الدائرة التي تحتوي على عشر نقاط، ونقطتين بالقرب من الدائرة التي تحتوي على نقطة واحدة. وقد قام الموندوروكو أيضا بوضع النقاط بطريقة منتظمة، لكن طريقتهم في توزيعها على خط الأعداد لم تكن منظمة للغاية؛ فبدلا من هذه الطريقة الخطية، التي يبدو أنها تدرس في المدرسة، استخدم الموندوروكو ما يعرف باسم الاستراتيجية اللوغاريتمية في أداء هذه المهمة؛ لقد كانت الكميات الصغيرة هي الأكثر نزوحا بمحاذاة البعد الأفقي مقارنة بالكميات الكبيرة . وضعت ثلاث نقاط بالقرب نسبيا من منتصف الخط، ووضعت تسع نقاط على ضعف المسافة تقريبا (مقارنة بالنقاط الثلاث) من الدائرة اليسرى. في الشكل الخطي الذي يألفه معظمنا، نتوقع أن النقاط التسع ستوضع على بعد ثلاثة أضعاف المسافة من الدائرة اليسرى، مقارنة بالنقاط الثلاث. أما في الشكل اللوغاريتمي فيجب وضع النقاط التسع على بعد ضعف المسافة من الثلاث نقاط؛ إذ إن 3
Неизвестная страница