وكانت الصداقة قد استحكمت حلقاتها بين فيلكس وشارنسون، وعلم فيلكس منه أن السفينة الإنكليزية لا بد أن تدركهم، وليس بعد ذلك غير الموت، فاتفقا على أن يهربا، وصبرا إلى أن انتصف الليل، فأنزل شارنسون قاربا صغيرا إلى البحر بعد أن وضع فيه شيئا من الزاد، ونزل إليه مع فيلكس دون أن يراهما أحد، فدفعا القارب إلى جهة الشاطئ، بينما كانت السفينة تسير آمنة في عرض البحر.
وبعد ساعة سمعا لعلعة المدافع، ورأيا أنوار السفينة الإنكليزية، ثم رأيا أنها أسرت السفينة التي كانا فيها، فحمدا الله على السلامة.
وقد أقاما في ذلك القارب الصغير يومين، تتقاذفهما الأمواج دون أن يتمكنا من الوصول إلى البر، وفرغ منهما الزاد، فأيقنا من الموت جوعا، إذا لم تنقذهما يد العناية، وفيما هما على ذلك، وقد تمكن منهما اليأس، رأيا سفينة شراعية تسير بعيدة عنهما، فوقفا في القارب، وجعلا يشيران إليها إلى أن رأت تلك الإشارات وأقبلت إليهما، فأصعدهما الربان إلى السفينة، وسألهما عن شأنهما، فأخبراه بكل ما اتفق لهما، والتمسا منه أن يعود بهما إلى أوروبا.
وكانت هذه السفينة نرويجية، قادمة إلى رأس الرجاء الصالح، وستقيم في مينائه شهرين ، ثم تمر ببعض المواني، فلا تبلغ أوروبا إلا بعد أربعة أشهر، ولما لم يكن لديهما شيء من المال يدفعانه أجرة السفر وثمن الطعام، فقد اتفقا مع الربان على أن يشتغلا في السفينة مع البحارة حتى تصل إلى الوطن.
ولبث فيلكس أربعة أشهر، يشتغل هذه الأشغال الشاقة إلى أن قدر له الوصول سالما إلى مرسيليا، فسار منها لفوره إلى باريس. •••
فلما وصل فيلكس بحكايته إلى هنا سألته باكيتا قائلة: منذ كم أنت في باريس؟
قال: منذ عامين.
قالت: ماذا كنت تشتغل في خلالهما؟
أجاب: في مهنة الحفر.
ولماذا لم تعد إلى الاشتغال بمهنتك؟
Неизвестная страница