وبعد أن فرغنا من هذه الأحاديث، وعرفت كل ما أردت أن أعرفه استأذنت بالانصراف، وقد وعدت البارون أني سأخابر مدير جوقتي في شأن اقتراحه، وأعود إليه بعد غد بحقيقة ما أنويه.
ولما عدت إلى الجوقة، وجدتهم قد شغلوا بغيابي، وتباينت أقوالهم، حتى لقد اتهمني بعضهم بالميل إلى هذا الفتى الجميل الذي زارني - أي البارون - وكانت علائم الحزن الشديد بادية في وجه فيلكس، فضحكت وأخبرتهم بكل ما جرى، فسر الجميع لنجاحي، ولا سيما صاحب الجوقة وامرأته عدا فيلكس، فقد رأيت الدمع يجول في عينيه، فدنوت منه، وهمست في أذنه قائلة: طب نفسا يا عزيزي، فلا تفرق الثروة بيني وبينك، وسأكون لك ما حييت.
وفي اليوم التالي ذهبت إلى فرساي بغية مقابلة الكونتيس المعتزلة في قصرها، ولقيت عناء شديدا حتى أذنت لي بمقابلتها، فأدخلوني قاعة عظيمة، وأقمت فيها أنتظر قدوم الكونتيس.
وكان في تلك القاعة خمس صور كبيرة، لا شك أنها كانت صور أعضاء أسرة الكونتيس، فوقفت أنظر إلى هذه الصور، وأنا معجبة بما أراه، فقد كان في رأس كل صورة من هذه الصور خصلة بيضاء كخصلة فيلكس، حتى إذا انتهيت إلى آخر صورة صحت صيحة دهش عالية، فقد خيل لي أني أرى رسم فيلكس نفسه ممثلا بهذا الرسم، وعند ذلك فتح الباب، ودخلت امرأة بملابس السواد، وهي الكونتيس.
الفصل التاسع
وكنت قد ذهبت إلى فرساي، يصحبني شيخ من رفاقنا في الجوق، وكنت علمت خلال بحثي عن قصر الكونتيس، أنها تبحث عن وصيفة تقيم معها في القصر، وبما أني أصبحت واثقة أن فيلكس هو ابن هذه الكونتيس فقد دخلت عليها بحجة أني أريد الاستخدام عندها، وإنما الحقيقة أني كنت أريد أن أخبرها أن ابنها الذي تندبه لا يزال في قيد الحياة.
فلما رأيتها وجدتها امرأة تبلغ الأربعين من العمر، ولا تزال في ريعان الجمال، غير أن الهم نهكها بعد موت ولدها وزوجها، فخارت قواها، وباتت كالخيال الجميل، وقد أشفقت أن أفاجئها بهذا النبأ.
وقالت لي بلهجة تدل على أن الحنو ملكة فيها: لقد أخبروني يا ابنتي أنك تريدين أن تقيمي معي؟ قلت: هو ذاك يا سيدتي.
قالت: ولكنني أعيش هنا كأنني في دير لا أزور أحدا، ولا يزورني أحد، ألا تخشين الضجر وأنت لا تزالين في ريعان الشباب؟ قلت: كلا، فإني أرى من مخائل كرمك ما يشفع بهذه الوحدة في صحبتك.
قالت: أتريدين أن تكوني عندي منذ اليوم؟
Неизвестная страница