قال: تفضل يا سيدي وسل ما تشاء.
قال: أريد أن أعلم إذا كان سبب المبارزة يدعو حقيقة إلى القتال حتى الموت، وإذ كان الصلح غير ممكن بينكما.
فاتقدت عينا أنيتور ببارق من الرجاء، وأجاب شارنسون الضابط موجزا فقال: لي صديق كشقيق وقد وشى هذا الرجل إليه بالمرأة التي يحبها، وقال عنها أقوالا كاذبة فأراد صديقي قتله، ولكنه أصيب عقب هذه الحادثة بحمى تركته لا يعي، فهو لا يستطيع القتال.
فأجابه الضابط قائلا: ما زال الأمر كما تقول فإن السبب وجيه، ولا بد فيه من القتال.
وبعد هنيهة خرج شارنسون وأنيتور من الخمارة وسارا في طريق الغابات يتبعهما الضابط وثلاثة من أصدقائه، فوصلوا بعد ساعة إلى المكان الذي تعين للقتال، فقال شارنسون مخاطبا الشهود: لقد عرفتم - أيها الأسياد - أن السبب الذي يدعونا إلى القتال خطير، وإننا اتفقنا على أن نقتتل حتى الموت، فتفضلوا بوضع الشروط على هذه القاعدة، فعين الشهود الشروط، واقترعوا على السيف والمسدس، فإذا أنيتور كان يود أن يكون القتال بالسيف؛ لأنه أقل خطرا، ولأن الجرح البسيط فيه يدعو إلى توقيف القتال، خلافا للمسدس فإن رصاصه يعطب كيفما أصاب، ولكن القرعة أصابت المسدس، فامتقع وجه أنيتور بصفرة الموت، وأخذت أعضاؤه ترتجف حين أعطوه المسدس حتى رق له الضباط.
وقد أوقفوهما في مواقف القتال، وكان لكل منهما الحق في أن يطلق مسدسه متى شاء، فلما صدر أمر الشهود بإطلاق النار كان أنيتور البادئ، ولكن يده ارتجفت من الخوف فأخطأ المرمى، وعند ذلك مشى إليه شارنسون وهو يبتسم ابتسامة المحتقر، فركض أنيتور يحاول الفرار من رعبه، ولكن رصاصة شارنسون أصابته في ساقه، فصاح صيحة ألم شديدة وسقط على الأرض، فأسرع الشهود إلى نجدته، ورد شارنسون المسدس إلى جيبه وهو يقول: إني كنت أوثر قتل هذا النذل ولكني أكتفي بما حدث، فلا يصعد بعد الآن متجسسا إلى السطوح.
الفصل الرابع والعشرون
مضى على هذه الحوادث عام، وأصبح البرنس ماربولوف الروسي يقيم الآن في قصره الذي شاده في الشانزليزه، ذلك القصر الفخم الذي لا يزال الباريسيون يضربون به الأمثال إلى الآن، وكان الفصل فصل صيف، ومن عادة الأمير أن يبكر بالنهوض فيركب جواده ويسير متنزها بين الغابات.
على أنه في ذلك اليوم لم يتنزه حسب عادته، وقد بلغت الساعة الثامنة وهو لا يزال بملابس البيت في غرفته، وراء نافذة تشرف على ردهة القصر وعلى الشارع، وكان في الردهة جواد عربي كريم يصهل كأنه يدعو سيده بالصهيل وقد استبطأ قدومه.
وكانت أنظار البرنس تتجه إلى الشارع كلما سمع صوت مركبة، وكان كل ما فيه يدل على نفاذ الصبر، إلى أن مرت إحدى تلك المركبات الكبرى التي تنقل المسافرين عادة من المحلة، ووقفت عند باب القصر، فنسي البرنس مقامه ونادى البواب بنفسه من النافذة، وأمره أن يسرع بفتح باب حديقة القصر، فأسرع البواب إلى الامتثال وفتح مصراعي الباب، فدخلت تلك المركبة وفيها نحو اثنتي عشرة حقيبة من حقائب السفر، وفتح بابها فخرج منه رجل شيخ، نحيل الأعضاء، طويل القامة، يظهر عليه أنه عصبي المزاج، شديد القوة، براق العينين، غليظ الشفتين، تدل هيئته بجملتها على أنه من ذلك الجنس التتري.
Неизвестная страница