وكانت تقيم في الدور الأول، ويوجد بالقرب من نوافذها مصباح غازي، كان فيلكس يرى على نوره داخل قاعة الاستقبال المشرفة على الطريق، وقد أوقف المركبة، وأقام ينتظر بملء السكينة، فكانت سكينته ترعب شارنسون، وهو لا يجسر أن يقول له كلمة.
حتى إذا أزفت الساعة العاشرة أقبلت مركبة فخمة، ووقفت عند باب باكيتا، ثم خرج منها رجل، وكان هذا الرجل هو البرنس، وقد شعر شارنسون أن يد فيلكس تضطرب في يده، حين رأى البرنس دخل المنزل، وحين رأى أنه لم يبق سبيل للشك فيه.
أما فيلكس فإنه التفت إلى صديقه وقال له: كيف رأيت؟ أوثقت الآن؟ فلم يجبه بكلمة، وأمر المنكود السائق أن يعود إلى المنزل. •••
أما أنيتور صاحب هذه الفعلة المنكرة الشنعاء، فإنه عاد إلى منزله في المساء، وأقام ينتظر ما يكون من نتيجة رسالته.
وقد رأى فيلكس وشارنسون خرجا من المنزل في الساعة التاسعة، فأيقن أنهما ذاهبان إلى منزل باكيتا، وأن الرسالة فعلت فعلها، ولكن بقي عليه أن يعلم ما يكون من تأثيرها بعد عودتهما، فوقف وراء زجاج النافذة يراقب رجوعهما، فرآهما عادا وأعطيا السائق أجرته دون أن يبدو عليهما شيء من علائم الاضطراب، وقد دخلا المنزل، فلم يعد يرى شيئا، ولكن سطح منزله كان يشرف على غرفة فيلكس، فصعد إلى السطح كي يهتم بمراقبته، فقد راعته سكينتهما، وخشي أن يكون الأمر قد انقلب عليه.
وهناك رأى فيلكس وحده في الغرفة وهو عاكف على الكتابة، ثم رآه وضع ما كتبه في غلاف، ووضع في طيه الأوراق المالية التي أعطاه إياها البرنس في الصباح عربونا لثمن التمثال.
فبرقت أسرة أنيتور، وقال في نفسه: إنه يرد المال إلى الأمير، فما عساه يصنع بعد ذلك؟
أما فيلكس فإنه بعد أن ختم الكتاب الذي كتبه أخذ مطرقة من حديد، فارتعش أنيتور من الفرح، وانهال فيلكس بالمطرقة على ذلك التمثال فحطمه في بضع ثوان، وكان قد أقفل باب غرفته من الداخل فسمع أنيتور أنهم يطرقون الباب من الخارج.
ولكن فيلكس لم يكن يصغي إلى شيء من ذلك، فلما أتم تحطيم تمثاله ذهب إلى الجدار، فانتزع منه مسدسا، وهم بأن يطلقه على صدغه، ولكن الباب فتح في تلك اللحظة، ودخل منه شارنسون تتبعه امرأة هي أم فيلكس، وقد انقض شارنسون عليه بسرعة التصور واختطف المسدس من يده، فتمتم أنيتور قائلا: تبا لهذا القبيح، فلو تأخر لحظة لقضي الأمر. •••
إن المرء خاضع لناموس السلوان، فهو يتعزى عن كل نكبة في هذا الوجود، مثال ذلك أنيتور، فإنه بعد أن أسف أسفا عظيما لنجاة فيلكس من الانتحار بفضل صديقه شارنسون أقبل يعزي نفسه، فيقول: إني ليكفيني أن يحطم تمثاله، ويرد المال إلى الأمير، ويقنط من التي يحبها، فأية فائدة من موته؟ فإنه لو انتحر لمات مرة واحدة، أما الآن فإنه يموت في حياته مرارا كل يوم.
Неизвестная страница