فأشارت جلنار بهزة من رأسها أن نعم وهي لا تزال تنظر نحو الرواق. ومع كثرة من في تلك الدار من الخدم والجواري بين ذاهب وغاد لم تنتبه لأحد منهم؛ لاتجاه جوارحها جميعا نحو جبهة واحدة، فوصلت إلى غرفة الطعام ولم تر أحدا، فجلست إلى المائدة وعليها ألوان الأطعمة الباردة والساخنة، والفاكهة، فتناولت القليل منها وهي لا تتكلم، وكلما سمعت صوتا يشبه وقع أقدام الضحاك التفتت نحو الباب، وريحانة تلاحظ حركاتها وتتألم لقلقها، وتحاول عبثا أن تشغلها بالحديث، ثم تناولت تفاحة وقدمتها إليها وهي تقول: «ما أشبه لون هذه التفاحة بلون خديك.» ودفعتها إليها، فأخذت جلنار التفاحة وقضمت قطعة منها بغير انتباه، ثم سمعت نقرا على الباب فأصاخت بسمعها والقطعة في فمها، وقد أمسكت عن المضغ ووقفت لتفتح الباب، فسبقتها ريحانة إليه وفتحته، فسمعت جلنار ضحك الضحاك ولم تر وجهه، فاصطبغ وجهها بالاحمرار وكادت تشرق بريقها، ولكنها تجلدت وأخذت في مضغ التفاحة وهي تتشاغل بذلك عما كاد يغلب عليها من القلق، ونظرت إلى الضحاك وقد دخل وهو يتأدب في مشيته، فابتدرته ريحانة قائلة: «ما وراءك؟»
فضحك وتباله وتكتف ووقف، فانتهرته ريحانة قائلة: «لا تتباله. أخبرنا عاجلا بما فعلته.»
قال: «دعيني أضحك فإني مسرور.»
فأشرق وجه جلنار واستبشرت، ونظرت إليه وهي تبتسم ولسان حالها يقول: «أخبرنا بهذه البشرى.»
فالتفت إلى جلنار وقال: «أبشرك يا مولاتي أن عند صاحبنا الخراساني أضعاف ما عندك من.» وتنحنح.
فلم تتمالك جلنار من الضحك بغتة، ثم انتبهت لما في ذلك من الخفة فأمسكت نفسها، وقالت: «بارك الله فيك. لقد أتعبناك كثيرا، ونرجو أن نكافئك. قص علينا خبرك؟»
الفصل الحادي والعشرون
خدعة
قال وهو يلتفت يمينا وشمالا كأنه يحاذر أن يسمعه أحد: «ذهبت إلى أبي مسلم بالهدية فقبلها وكأنه كان على موعد من مجيئي بها، ولم يشأ أن يخاطبني في حضرة رفيقه ابن برمك، فأشار إليه فخرج، فلما خلوت به سألني عنك، وتلطف في السؤال عن حالك فكدت أطير من الفرح.»
فلما سمعت جلنار قوله تسارعت ضربات قلبها وكاد السرور يخرج بها عن حدود الحشمة، وكادت ترقص طربا لو لم تتذكر أنها أمام ذلك الخادم، فتجلدت ونظرت إلى ريحانة كأنها تقول لها استزيديه بيانا، فقالت ريحانة: «ماذا قال لك؟ هل لمست فيه ميلا إلى مولاتنا؟»
Неизвестная страница