فقال: «وماذا ينفعني إعجابك، يا سيدي، وأنا أخاف أن أذكر اسمك؟»
قال: «قلت لك لا تخف، فما أنا ناقم على جسارتك؛ لأنك - على ما يظهر - لا تعرف عني كثيرا..»
قال: «أنا أعلم عن مولاي الأمير أكثر مما يظن؛ ولذلك فإني لا أقصد برسالتي هذه أن أكلفه ما لا يريده، ولكنني تعهدت لصاحبة هذه الهدية برضى أبي مسلم عنها، ويجوز أن يكون ذلك الرضى ظاهريا فقط. ثم لا أخفي عن حامل علم الإمام أن نظرة منه تشف عن رضا أو ارتياح تجعل هذه الفتاة المفتونة آلة في يده قد يستخدمها في أمور تنفعه، ولو كانت في فسطاط الكرماني نفسه، أو في قصر نصر بن سيار؛ صاحب مرو؛ إذ تكون أقدر على خدمته وهي هناك، وإن كان ما ترجوه من أبي مسلم أضغاث أحلام لا يصح منها شيء. وعهدي بالأمير لا يحتاج إلى تصريح.»
فأطرق أبو مسلم هنيهة وهو يعمل فكرته ويتدبر ما سمعه من الضحاك، فرأى قوله لا يخلو من النصيحة، ولكنه أمسك عن الخوض معه في ذلك، ثم رفع السيف من بين يديه ووضعه وراء الوسادة، ونظر نحو الباب فأدرك أنه يريد انصرافه، فوقف وهو يقول: «يأمر مولاي خازنه أن يستلم هذه الأكياس.» ومشى نحو الخريطة بقرب الموقد.
فصفق أبو مسلم فدخل حاجبه فقال: «إلي بالخازن.»
فخرج الحاجب وعاد ومعه إبراهيم الخازن، فلما دخل إبراهيم ورأى الضحاك في خلوة مع أبي مسلم أوجس خيفة، ولكنه ما لبث أن سمعه يقول: «خذ من هذا الرجل ما يعطيه لك وقيده في دفاترك.»
فتحول نحو الضحاك، ففتح الضحاك الخريطة وأخرج منها عشرة أكياس مختومة وقال له: «هذه عشرة أكياس، في كل منها ألف دينار يوسفية.» وأطال لفظ يوسفية.
فتناولها الخازن وقد فهم إشارته، ولكنه أدرك أنه يقول ذلك على سبيل المجون، فتناول الأكياس وهو يقول: «ممن هي؟»
فقال أبو مسلم: «قل هي مني، وكفى!»
فحملها إبراهيم وخرج وهو لا يصدق أنه نجا من شراك الضحاك، وبعد خروج إبراهيم عاد الضحاك نحو أبي مسلم وانحنى يقبل يديه ثم خرج.
Неизвестная страница