فقال أبو سلمة: «وهل تحسبه يقتلني؟ لا، لا، إنه لا يفعل ذلك لما يعلمه من مساعدتي له بالمال والرجال، والشيعة كلهم يعلمون أنه لولا أموالي ونفوذ كلمتي على الدهاقين وبيوت الفرس لم تقم لهم قائمة، فهل يجرؤ أحد منهم على أن يمسسني بسوء؟»
فابتسم صالح وهز رأسه قائلا: «أما أبو مسلم فيفعل، وقد فعل ذلك غير مرة. أتظنه يرقب ضميره أو يتقي المحاسبة، وقد زاده استبدادا وظلما وصية الإمام إبراهيم بأن يقتل كل من يشك فيه؟»
فاستخف أبو سلمة بنصيحة صالح وحول وجهه عنه، وسار نحو مشمعة من الذهب قائمة في وسط القاعة على كرسي من الأبنوس المطعم، وتشاغل بنزع الغبار عن قاعدتها بإصبعه وهو يقول: «لا أظن أن ذلك الغلام يبلغ طموحه إلى هذا الحد.» وهم بتغيير الحديث فقال: «هل علمت ما فعله أبو ضرغام؟»
قال: «كلا، وماذا فعل؟ فقد جئت لأسألك عن ذلك.»
قال: «عاد إلي منذ ساعتين وأخبرني أنه قلب الكوفة رأسا على عقب هو ورجاله، ولم يغادروا خانا ولا منزلا ولا كنيسة ولا حانوتا إلا دخلوه وفتشوا فيه، فلم يقفوا للرجل على أثر، ولا رأوا أحدا يعرفه، حتى حراس أبواب المدينة سألوهم عن رجل هذه صفته، فقالوا إنهم لم يشهدوا أحدا بهذه الصفة أو ما يقربها، مع أنه أكد لي أنه مقيم في الكوفة، فأمرت أبا ضرغام أن يبحث عنه في ضواحي المدينة وأرباضها، ولا يترك منزلا حتى منزلي إلا ويفتش فيه، ويسأله عن خبر ذلك العراف المنافق، ولست أدري ماذا تكون النتيجة.»
الفصل السبعون
دير العذارى
فأيقن صالح عند ذلك بإفلات إبراهيم، وأنه أسرع سرعة البرق ليبشر أبا مسلم بنجاح مهمته، ولن يتيسر لأحد اللحاق به، ولكنه تظاهر بأنه لا يزال يرجو العثور عليه فقال: «لا يبعد أن يكون هذا الخبيث قد اختبأ في بعض هذه الأرباض، فأطلب إلى الله أن يمكنك من الظفر به.» قال ذلك وودعه وخرج يبحث عن مكان يذهب إليه مع جلنار وريحانة، فرارا من فتك أبي مسلم، ريثما تتبدل الأمور، فتذكر أنه أثناء ذهابه إلى دمشق وعودته منها، مر بدير على مقربة من الكوفة يقال له دير هند ؛ أقامته هند بنت النعمان قبل الإسلام،
1
وقد عرج عليه واستراح عند بابه، وشرب من سبيل قائم بجانبه، وعلم من حارسه أنه عامر يقيم فيه الرهبان ينذرون العفة ابتغاء مرضاة الله، فخطر لصالح أن يذهب بجلنار وحاضنتها كي تقيما هناك، وهو يتردد عليهما أو يقيم في بعض الأماكن بجوار الدير متنكرا. وذلك يسير عليه. فعزم على أن يتخذ قرارا في الغد بعد أن يذهب إلى الدير ويسأل عن كيفية الدخول إليه والإقامة فيه.
Неизвестная страница