قالت: «لا بد من ذلك؛ لأن الفرصة قصيرة، وأخشى أن يتسرع الأمير بقتل والدي قبل غد.»
فقال: «حسنا تفعلين، وأنا أستأذن لك بالدخول على يد الحاجب؛ فقد عرفته، وهو الذي قص علي الحديث اليوم. انهضي غير مأمورة وتخمري ريثما أعود إليك بالإذن.» وخرج.
فتحولت جلنار إلى مكان هناك يصلح أهل القصر شعورهن فيه، وأصلحت من شأنها إصلاحا بسيطا، والتفت بالمطرف المزركش، ولفت رأسها بشال موشى، فقالت ريحانة: «هل أذهب معك يا مولاتي؟»
قالت: «لا أظن أن ذهابك يجدي؛ فربما لا يأذن لنا بالدخول معا وأنا أحب أن أخاطبه على انفراد.»
ثم جاء صالح وهو يقول: «قومي يا مولاتي. لقد أذن الأمير بمقابلتك.»
فنهضت جلنار وقد اشتد خفقان قلبها، وتصاعد الدم إلى وجهها، ومشت مع صالح والليل قد أسدل ستاره، فخرجت من باب القصر، ولم تمش بضع خطوات قليلة حتى أطلت على باب القاعة وصالح يمشي بجانبها، فلما دخلت إلى هناك قال: «لا يخلو دخولك على هذا الأمير من باعث على الحذر، فكوني على يقين - إذا شعرت بضيق - إني آتيك كما تأتي المردة، ولكن احذري أن تناديني باسمي القديم.»
فأوجست من هذا التحذير خوفا، ولكنها شغلت عن التفكير به لما هاج في خاطرها من مقابلة أبي مسلم، وهي أول مرة ستخاطبه في خلوة، مع ما في قلبها من لواعج الحب وعوامل الإعجاب به. فأوصلها صالح إلى الباب وأشار إلى الحاجب، فوقف لها وأدخلها القاعة وقد أزاح لها ستر الباب بيده، فرأت قاعة كبيرة في أحد أركانها شمعدان عليه شموع منيرة. وفي صدر القاعة رجل متكئ على وسادة وعليه ثياب الإمارة كأنه في مجلس الحكم، فسبقها الحاجب حتى وقف بين يدي الرجل وقال: «قد أتت الفتاة التي استأذنت في الدخول على الأمير.»
فقال أبو مسلم: «أين هي؟» وأشار بيده إلى الحاجب، فخرج ومشت جلنار وهي تخطو الهوينى وقدماها لا تساعدانها على السرعة لما داهمها من الرعشة؛ لدخولها وحدها على أبي مسلم، والرجال الأشداء يرتعدون في حضرته، فكيف بفتاة مفتونة وقد قاست الصعاب في سبيل الحصول على رضاه؟! والفتاة ترتعد بين يدي حبيبها وهو مندفع إليها، فكيف بمن يخشى الناس غضبه، وإذا شك قتل؟!
الفصل الحادي والخمسون
الحديث
Неизвестная страница