فأطرق وهو يحك ذقنه، وأعمل فكرته وقد تأكد من انتصار الخراسانيين وفشل العرب، فذهبت بقية آماله، ونظر إلى جلنار فإذا هي مطرقة تبكي، فظنها تبكي على عريسها، وهي إنما تبكي شوقا لحبيبها، وخوفا من ضياع آمالها؛ لأنها كانت تتوقع أن ترى منه اهتماما بأمرها، ولم تكن تنتظر انشغاله عنها إلى هذا الحد، فلما رآها الدهقان تبكي حن لها وقال: «لا تبكي يا جلنار ولا بأس عليك.» ثم وجه خطابه إلى ريحانة وقال: «سمعتك تسمين ابن الكرماني خطيبا ، وأنت تعلمين أننا عقدنا له عليها وزففناها إليه .»
قالت: «نعم، ولكنه لم يتزوجها بعد.» وقصت له ما كان من اشتراطه على نفسه فتح مرو قبل الاقتران، وأنه مات في الغد بغتة.
فلما علم بذلك تبدد إحساسه بالفشل والندم، ورأى في عودة جلنار إليه على تلك الصورة بابا جديدا للتقرب إلى أبي مسلم؛ لاعتقاده أن أبا مسلم يرغب في مصاهرته، فنظر إلى جلنار وهو يبتسم ليزيل عنها اضطرابها وقال: «لا بأس عليك يا بنتاه، إني سأعوض عليك من ابن الكرماني من هو خير منه، وأقرب إلينا وطنا ولغة ومشربا.»
فأدركت جلنار أنه يشير إلى أبي مسلم فانشرح صدرها، وعادت آمالها إلى الانتعاش؛ لأن أباها صار عونا لها في الوصول إلى حبيبها، وأمنت من الجهة الأخرى أنها إن تزوجت أبا مسلم بغير علمه فقد يغضب، ويعد عملها خروجا عن طاعته. فلما سمعت قوله قالت: «إنك تعزيتي الوحيدة يا والدي، ومن كانت لها أب مثلك لا بأس عليها، وأنت تعلم أني طوع إرادتك في كل ما تريد.»
فأشار إليها أن تذهب إلى غرفتها للراحة من تعب السفر، فنهضت وريحانة تسير بجانبها، فإذا بوالدها يقول: «وأين الضحاك؟ إني لا أراه معكم.»
قالت ريحانة: «لا ندري ماذا أصابه، فقد ذهب بالأمس ونحن في معسكر الكرماني ثم لم نره.»
قال: «لقد رأيت معكم رجلا عليه القلنسوة والجبة؛ فمن هو هذا؟»
قالت: «هو رجل من أهل مرو اسمه صالح جاءنا به ابن الكرماني يوم الفتح وأضافه إلى الخدم بدلا من الضحاك، ولا بأس به.»
وأخذ الدهقان يفكر في السبيل المؤدي إلى نيل الحظوة في عيني أبي مسلم، بعد أن أصبح له الأمر والنهي في خراسان، فصمم بعد طول تفكير أن يهديه الهدايا ويزوجه ابنته، ولكنه رأى أن ينتظر جوابه على تهنئته التي أرسلها إليه يوم الفتح.
لبث في الانتظار يومين، وفي اليوم الثالث جاءه رسول أبي مسلم ومعه كتاب يثني فيه عليه ويستقدمه إليه ليقيم بين يديه، فلما تلا الكتاب لم يتمالك أن أسرع إلى جلنار وأطلعها عليه، فكان سرورها أعظم من سروره، ولكنها أحبت أن تثق من أمر مسيرها معه فقالت: «وهل أنت عازم على السفر إلى مرو؟»
Неизвестная страница