عاد إلى شظف العيش في الغربة، وذاق الأمرين في الحصول على الكفاف، ولكنه تجلد واحتمل وبدأ يتعلم اللغة الفرنسوية حتى نال منها نصيبا يمكنه من المخاطبة والتفاهم ثم الكتابة وتحرير الصحف.
وزرته في جنيف سنة 1921، فإذا السنوات العشر قد غيرت ذاك الشيخ الهزيل صاحب الجبة الطويلة الأردان، ورأيت شابا ممتلئا صحة وعافية مبرنطا أنيق الثياب.
الشيخ علي الغاياتي المصحح في العلم أصبح «مسيو جاياتي» المحرر في صحيفة «تريبون ده جنيف» يلخص أقوال صحف الشرق، ويحرر مقالات في المسائل الشرقية السياسية، ويعرف رجال حكومة جنيف ورجال جمعية الأمم، وله عندهم مكانة سامية.
وأخذني إلى بيته وقدمني إلى السيدة زوجته وهي شابة سويسرية، وكان له وقتذاك على ما أذكر ثلاثة أطفال.
وسمعت ممن صادفتهم حينذاك من الطلبة ثناء جما على ما يبذله الشيخ الغاياتي لهم ولغيرهم من المصريين الغرباء من خدمات أدبية ومادية.
وحاول الشيخ أن يراسل إحدى الصحف العربية في مصر أو سوريا أو غيرهما فلم يفلح، إذ كان يكتب لهذه وتلك فلا ينال منها غير مواعيد عرقوب، حتى إن السيدة زوجته لم تكن تراه يكتب رسالة بالعربية حتى تخطف القلم من يده وتمنعه من تسطير رسائل لا فائدة منها إلا إضاعة الوقت.
ومنذ اثنتي عشرة سنة أنشأ جريدة «منبر الشرق» بالعربية والفرنسوية، ولكنه أبطل القسم العربي، ولا يزال يصدرها نصف شهرية بانتظام باللغة الفرنسوية.
وقد عانى كثيرا من التعب في سبيل تثبيتها ونشرها فنال بعض ما تمنى، وهي وإن كانت غير معروفة في مصر فهي معروفة في جنيف، وفي كثير من الأوساط السياسية التي تهتم بشئون الشرق.
وأتى الشيخ الغاياتي إلى مصر بعد الهدنة فألقي القبض عليه وحجز في تخشيبة المحافظة ثم أعيد إلى سويسرا.
ثم سمح بدخوله إلى مصر فأتى بعد ذلك، فكان موضوع رعاية إخوانه وتكريمهم وعطفهم عليه.
Неизвестная страница