Абу Ханифа и человеческие ценности в его учении
أبو حنيفة والقيم الإنسانية في مذهبه
Жанры
وقد كان هذا الموقف العظيم سببا في أذى شديد له، مع إجلال الخليفة أبي جعفر المنصور له، وعرضه عليه حمل فقهاء الأمصار على كتابه «الموطأ» على ما هو معروف. فقد روى ابن خلكان أنه «سعي به إلى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس، رضي الله عنهما، وهو عم أبي جعفر المنصور، وقالوا له: إنه لا يرى أيمان بيعتكم هذه بشيء. فغضب أبو جعفر ودعا به، وجرده، وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت كتفه، وارتكب منه أمرا عظيما، فلم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة.» ثم ذكر بعد ذلك أن ابن الجوزي، وهو يذكر أحداث سنة 147ه، قال: وفيها ضرب مالك بن أنس سبعين سوطا لأجل فتوى لم توافق غرض السلطان.
وقد يعين على فهم هذا التصرف الشنيع؛ وهو إيذاء فقيه كبير هو موضع الإكرام والإجلال، كلمة موجزة محكمة لأبي جعفر المنصور نفسه، وهي: الملوك تحتمل كل شيء إلا ثلاث خلال: إفشاء السر، والتعرض للحرم، والقدح في الملك. وأي قدح في رأيهم أكبر من إفتاء إمام من أئمة الفقه بتجويز الخروج عليهم وتشجيعه!
والأمر الثاني، هو أن الصلات الطيبة الوثيقة بين كثير من الفقهاء وبين الخلفاء العباسيين ومن إليهم من الأمراء والوزراء، والرغبة في التوفيق بين القواعد الفقهية النظرية وبين الحياة العملية التي كانوا يحيونها حينذاك؛ هذا وذاك، كانا من الأسباب القوية التي جعلت فنا فقهيا يظهر ويزدهر؛ وهو «فن الحيل» لدى فقهاء مدرسة الكوفة بعامة، ثم مدرسة أبي حنيفة بخاصة.
ونسمي هذا فنا، ولا نسميه علما؛ لأنه يقوم على الصنعة والتعمل، وعلى تخريج للقواعد الفقهية المسلم بها حتى تتسع لكثير مما كانت تزخر به الحياة العملية في ذلك العصر. ولعل اشتهار الأحناف بهذا الفن، كان سببه شديد اتصالهم بأصحاب الدولة القائمة؛ ولذلك كان إليهم القضاء. وكان أبو يوسف تلميذ الإمام أبي حنيفة هو قاضي القضاة أيام الرشيد، فهو أول من دعا بذلك.
ولا نريد هنا ذكر الكتب التي ألفت في هذا الفن، ولا بعض المثل التي استعملت فيها تحقيقا لرغبة خليفة أو وزير مثلا؛ ولكن نشير إلى شيء مما كان من ذلك من الإمام أبي يوسف للخليفة هارون الرشيد وزوجته السيدة زبيدة.
24
ونصل أخيرا للعامل الثالث، من العوامل التي عملت على نمو الفقه وتطوره وازدهاره أيام العباسيين، وهو عامل الزمن الذي ليس للباحث أن يغفل نصيبه عند تقدير الأمور، ووزنها الوزن الصحيح.
ذلك بأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يرجعون في آرائهم وأحكامهم إلى كتاب الله المحكم وسنة رسوله الصحيحة، ثم ضم التابعون من بعدهم إلى هذين المرجعين الأصليين ما أثر لديهم من أقوال فقهاء الصحابة وآرائهم.
فلما جاء أتباع التابعين - ومنهم أبو حنيفة - وجدوا هذه الثروة تزيد بالمأثور من ذلك عن التابعين. وهكذا وجدوا بين أيديهم ثروة كبيرة يعملون فيها عقولهم، وتساعدهم على الاجتهاد بالرأي للوصول إلى حلول وأحكام للمسائل والمشاكل التي واجهوها أو واجهتهم في زمانهم.
هذه العوامل كانت تعمل إذا مجتمعة على نمو الفقه وازدهاره، وعلى ظهور تشريعات لم تكن موجودة من قبل؛ لأنه لم تكن ظهرت الحاجة إليها.
Неизвестная страница